من 1950 إلى الدوحة: هل تستفيق اتفاقيات الدفاع العربي؟/ بلال عالي أعمر لعبيد

اثنين, 15/09/2025 - 13:33

يمرّ الوطن العربي، منذ مطلع الألفية الثانية، بمرحلة من التصدّع العميق، لم تكن وليدة لحظة عابرة، بل نتاج سنوات من التنازل والتبعية، حتى بات المواطن العربي يشعر وكأن كرامته تُقايض على موائد الغرب، مقابل بقاء الحكام في مواقعهم.

ذلك المواطن الذي كان يؤمن بأن ثروات الأمة وعقيدتها الإسلامية كفيلتان بأن تصنعا لها مكانة بين الأمم، وجد نفسه محاطًا بواقع يزداد قسوة، حيث تحوّلت الطفرة الاقتصادية إلى أداة إذلال، لا إلى رافعة للسيادة والقرار المستقل.

وسط هذا المشهد، وتحديدًا في العام 1948، وُلد كيان خبيث وزُرع في قلب الأمة، لا ليكون جارًا، بل شوكة في صدرها، مدعومًا من الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفائهما الغربيين.

 هؤلاء الذين وإن أظهروا غير ذلك في العلن، فإنهم في السر يباركون كل عدوان، ويغذّون آلة القتل والتشريد والتجويع، حتى باتت الجرائم تُرتكب بلا خجل، لا بحق الفلسطينيين وحدهم، بل بحق الدول التي فتحت أبوابها للمهجّرين، لتُقصف هي الأخرى، ويُهان ترابها، وتُستباح سيادتها.

وهنا بدأت المعاناة التي طال أمدها، والمجازر التي لم تُرتكب بحق أي شعب كما ارتُكبت بحق الفلسطينيين. الشعبٌ الأبيّ، الصابر، المجاهد، المرابط في أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى سيد المرسلين محمد ﷺ. فكان لزامًا عليه أن يحمل البندقية ويدافع عن أرضه ومقدساته، فاتهم بالإرهاب، ووصم بالإجرام، وارتُكبت بحقه الجرائم الواحدة تلو الأخرى، إلى لحظة كتابة هذه الأسطر، وطيران الكيان يقصف الأرض ليُزل الأرض عن الأرض.

وفي هذا السياق، يتساءل المواطن العربي عن اتفاقيات الدفاع العربي المشترك، وعن دور جامعة الدول العربية التي وُجدت لتكون مظلة للأمن القومي، لا شاهدًا صامتًا على تمزيقه. تلك الاتفاقيات التي وُقّعت عام 1950 بين سبع دول عربية، ونصّت على أن أي اعتداء على دولة عضو يُعد اعتداءً على الجميع، وأن الرد يجب أن يكون فوريًا، حتى باستخدام القوة المسلحة. لكن الواقع أثبت أن هذه البنود بقيت حبرًا على ورق، تُستدعى في الخطابات، وتُنسى في اللحظات التي يُطلب فيها الفعل

لقد مرّت الأمة بمحطات كان يمكن فيها تفعيل هذه الاتفاقيات: من اجتياح بيروت إلى احتلال العراق، ومن حصار غزة إلى قصف السودان وسوريا، لكن الإرادة السياسية كانت غائبة، أو مُكبّلة، أو خاضعة لحسابات الخارج. واليوم، ومع اجتماع القادة العرب والمسلمين في الدوحة، لا بد من أن يُعاد الاعتبار لهذه الاتفاقيات، لا بوصفها وثائق تاريخية، بل كعهد يجب أن يُسترد، وكرامة يجب أن تُحمى.

ومن هنا، فإن الدول العربية التي تستضيف قواعد عسكرية أمريكية مطالبة بمراجعة هذا الوجود، الذي يُسوّق على أنه لحمايتها، بينما هو في الحقيقة جزء من منظومة الهيمنة. فالدفاعات الموجودة في تلك القواعد لن تُفعّل في وجه صواريخ الكيان الصهيوني، بل ستتوقف تلقائيًا إذا كانت الأسلحة المستخدمة من نفس فئة الأسلحة الغربية. وهذا وحده كافٍ ليدرك الجميع أن الحماية الحقيقية لا تأتي من الخارج، بل من قرار داخلي حر، ومن إرادة سياسية لا تخشى أن تقول “لا” حين يكون قولها هو الفرق بين الكرامة والمهانة.

إن الأمة العربية لا ينقصها المال، ولا الرجال، ولا التاريخ، بل ينقصها أن تؤمن بأن السيادة لا تُستورد، وأن الكرامة لا تُؤجّر، وأن الدفاع عن الأرض والعقيدة لا يكون إلا بإرادة لا تُشترى، ولا تُساوم. فهل آن أوان الصحوة؟ أم أن الصمت سيظل هو اللغة الرسمية في حضرة العدوان؟