وجاه الأدهم يكتب.. الخط الفاصل

ثلاثاء, 28/10/2025 - 14:59

في المشهد السياسي الوطني، ليست العلاقة بين حزب السلطة وبعض النقابات أو المنظمات حالة استثنائية، فمعظم الأحزاب – بمختلف مواقعها – نسجت في مراحل معينة صلاتٍ أو تحالفاتٍ مع هيئات نقابية واجتماعية. لكن الفرق الجوهري ليس في هذا الارتباط أو ذاك، بل في مدى حياد الأجهزة التنفيذية تجاه الانتخابات النقابية وضمان أن تبقى المنافسة داخل الحقل العمالي نزيهةً، حرةً، وغير خاضعة لتوجيه أو تدخل من مؤسسات الدولة.
فحين تفقد الإدارة حيادها، يفقد العمل النقابي استقلاله، ويُفرغ مبدأ التعددية من معناه الحقيقي.

أثار التعميم الموجَّه إلى نواب حزب السلطة بضرورة التعبئة لصالح إتحاد عمال موريتانيا ردودَ فعلٍ واسعة، مستنكرة ومنددة، رأت فيها محاولةً مكشوفة لتسييس العمل النقابي وتحويله إلى أداةٍ في خدمة أجندة السلطة بدل أن يبقى منبرًا للدفاع عن الشغيلة وحقوقهم.

وفي خضم هذا الجدل، أود توضيح وجهة نظري الشخصية حول المسألة، بما تمليه روح المسؤولية تجاه واقعٍ بات يخلط بين الحق في التنظيم والحق في التجييش.

من الناحية القانونية، الفاصل واضح؛ فـ"العمل النقابي" منظَّم بمقتضى قانون الشغل الذي يحدد ضوابطه ومجالاته على أساس المهن والمصالح المشتركة بين العمال،
أما "العمل السياسي" فيحدده قانون الأحزاب الذي يضبط شروط الممارسة والانتساب.

لكن على أرض الواقع، يتقاطع المجالان إلى حدٍّ يصل أحيانًا درجة التماهي الكامل، فتتحول النقابات في بعض الحالات إلى أذرع حزبية، وتُختزل مطالب العمال في شعارات ترفعها جهات تسعى لتكريس نفوذها بدل تحسين شروط الشغيلة.

وهنا تكمن جوهرية الإشكال: حرية النقابيين في الانخراط الحزبي لا تعني مصادرة استقلالية العمل النقابي أو إذابته في حسابات سياسية ضيقة. فالحرية مسؤولية، والاستقلالية شرطٌ لصدقية النضال العمالي.

إن الضامن الحقيقي والمهم في مثل هذه الوضعية هو أن تبقى بوصلة العمل النقابي منحازة كليًا لمصالح العمال وكرامتهم، لا لمصالح السلطة أو أذرعها.
فالنقابة التي تفقد استقلالها تفقد معناها، وحين يُختطف صوت العمال، يُفرَّغ النضال الاجتماعي من جوهره.

إن الدفاع عن الشغيلة موقف مبدئي لا يُقاس بدرجة القرب من مراكز القرار، بل بصلابة الموقف في وجه الظلم والاستغلال.
وعلى هذا الخيط الفاصل الدقيق، يُختبر صدق الانتماء إلى صف العمال، لا إلى موائد السياسة ومغرياتها.

لقد آن للنقابات أن تستعيد دورها التاريخي كمدرسة للنضال والوعي الطبقي، وأن تعود من جديد إلى صفوف العمال لا إلى أروقة السلطة.
فحيث يوجد العامل المقهور، يوجد جوهر النضال، وحيث تُرفع راية الكرامة، تولد الحقيقة الاجتماعية التي لا تخضع لابتزاز ولا تساوم على حقوق الناس.

وجاه الأدهم