انواكشوط.. الإعلان عن تأسيس “ائتلاف وطني لمحاربة الفساد”

أربعاء, 05/11/2025 - 15:25

في خطوة غير مسبوقة على مستوى التعبئة الشعبية ضد الفساد، أعلن اليوم في العاصمة نواكشوط عن تأسيس “الائتلاف الوطني لمحاربة الفساد”، كمظلّة وطنية جامعة تضم أكثر من 130 منظمة مدنية، وشخصيات علمية وفكرية، وفاعلين من مختلف الأعمار والتوجهات، وذلك استجابة لتوصية جماعية صدرت عن يومين مفتوحين ناقشا خطورة الفساد على الدولة والمجتمع.

ويأتي الإعلان عن هذا الائتلاف بعد سلسلة من التفاعلات الشعبية الواسعة أعقبت نشر تقرير محكمة الحسابات، وما تبعه من تعهدات فردية وجماعية لمحاربة الفساد، كان أبرزها التعهد الشخصي الذي أطلقه القائمون على الائتلاف، والذي لقي تجاوبًا لافتًا من القوى الحية في البلاد.

وقد باشرت لجنة تحضيرية أعمالها فور صدور التوصية، حيث عقدت اجتماعات مكثفة امتدت لساعات طويلة، توّجت بصياغة التصور المرجعي الكامل للائتلاف، وتحديد آليات عمله، ومبادئه التأسيسية، ليكون إطارًا مستقلًا وعمليًا لتوحيد الجهود الوطنية في مواجهة الفساد.

ويتميّز الائتلاف الجديد بانخراط واسع للأئمة والعلماء، والشباب، والنساء، والخبراء، ما يمنحه قاعدة مجتمعية متينة، ويعزز من فرص نجاحه في خلق بيئة وطنية رافضة للفساد، ومناهضة له، عبر برامج ميدانية وتعبوية تضع محاربة الفساد في صدارة الأولويات الوطنية.

وفي ما يلي نص البيان التأسيسي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أمر بالعدل والإحسان ونهى عن الفساد والإفساد، والصلاة والسلام على من قال: “إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد”.

أيها السادة والسيدات،

حضورنا الكريم،

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،

نجتمع اليوم في لحظة فارقة، للإعلان عن ميلاد الائتلاف الوطني لمحاربةالفساد، كمِظلَة شعبية جامعة، قائمة على إرادةٍ وطنيةٍ صادقةٍ، تسعى إلى خلق مسار جديدٍ نسلكه معا لمحاربة الفساد الذي بات يهدد كِيان الدولة وتماسكَ المجتمع.

أيها الحضور الكريم،

لقد تابعنا خلال الأسابيع الماضية ما أثاره نشرُ تقرير محكمة الحسابات من ردود فعل شعبية واسعةٍ، وتفاعلٍ إيجابي للرأي العام، ويؤكد  كل ذلك،  على أن الشعب الموريتاني أصبح جاهزا أكثرَ من أي وقت مضى للتعبئة المجتمعية الشاملة ضد الفساد والمفسدين.

ثم تابعنا بعد ذلك، وفي إطار أضيق، يخصنا نحن القائمينَ على هذا الائتلاف، التفاعلَ الكبير مع التعهد الشخصي لمحاربة الفساد الذي أطلقناه مباشرة بعد صدور التقرير، فبعث لنا ذلك التفاعلُ الكبير  رسالةً أوضح مفادُها أن القُوى الحيةَ في هذا البلد، أصبحت أكثرَ جاهزية للوقوف صفًا واحدًا في وجه الفساد والمفسدين.

ثم جاءتنا الرسالةُ الثالثة، وكانت هي الرسالة الأفصحُ والأوضحُ، في أعقاب يومين مفتوحين نظمناهما حول خطورة الفساد على الدولة والمجتمع، استمر النقاش فيهما  لثلاثَ عشرةَ ساعة، وتضمنتا 90 مداخلة موثقة بالصوت والصورة، وتمثلت تلك الرسالة في توصية أجمع عليها كل المشاركين في النقاشات من أئمة ومنتخبين، وإعلاميين وحقوقيين، وشباب، ونشطاء جمعويين، فقد اتفق كل هؤلاء على توصية واحدة مفادها : أنه لابد من  تأسيس تحالف أو جبهة أو ائتلاف وطني واسع لمحاربة الفساد، ولابد من الإسراع في ذلك.

واستجابةً لتلك التوصية المجمعِ عليها من مشاركين من مختلف المستويات والأعمار والتوجهات، تشكلت لجنةٌ تحضيرية، بدأت مباشرة في العمل على إعداد التصور الكامل والوثائق المرجعية اللازمة للحلف أو الائتلاف الذي أوصى المشاركون بضرورة الإسراع في تشكيله.

وقد بذلت اللجنة جهدا كبيرا لتنفيذ تلك التوصية في أسرع وقت ممكن، ويكفي لتأكيد ذلك، أن أكشف لكم هنا أن  اجتماعها ليوم  أمس استمر  لاثنتي عشرةَ ساعة متواصلة، فقد بدأ من الساعة العاشرة صباحًا ولم يُختتم إلا عند الساعة العاشرة ليلًا.

وكان من نتائج عمل هذه اللجنة، أننا اليوم، وبتوفيق من الله، نجتمع هنا لنعلن رسميًا عن تشكيل الائتلاف الوطني لمحاربة الفساد،  وانطلاق أعماله، وهو ائتلاف نريده ائتلافًا مستقلا في قراراته وتوجهاته، مفتوحا أمام كل الفاعلين المهتمين بمحاربة الفساد من مختلِف التوجهات والمستويات والأعمار ، وقادرا على صهر جهود الجميع في برامج وأنشطة عملية وميدانية من شأنها أن تَحُدّ من تفشي الفساد في بلادنا.

ولعل ما يميز هذا الائتلاف الوطني الجامع هو الحضورُ القوي للأئمة والعلماء، والذين نعول عليهم كثيرا في حرب استعادة القيم وتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف التي تُحرم وبشكل قاطع الفساد بكل أشكاله وتجلياته.

كما يتميز الائتلاف أيضا بالانخراط الواسع لمنظمات المجتمع المدني، حيث زاد عدد المنظمات المُؤسِسَة للائتلاف على 130 منظمة، وهذا مما يزيد من أملنا في أن يكون دور المجتمع المدني في المستقبل دورا قياديًا ورائدًا في الحرب على الفساد بعد أن كان في الماضي دورا ضعيفا وهامشيا.

ثم إن من ميزات هذا الائتلاف هو حضورُ الشباب، فالشباب هو الضحية الأولى للفساد، وذلك سيتوجب عليه أن يكون في الصفوف الأولى في أي حرب ضده، وأن لا يقبل – بأي حال من الأحوال –  أن تخاض تلك الحرب بالوكالة عنه.

ولم تغب المرأة – ودورها سيكون حاسما في أي جهد وطني لمحاربة الفساد – عن لجنة التحضير، ولا عن هيئات الائتلاف المشكلة له.

وبما أن النخب العلمية والفكرية ومراكز الدراسات والخبراء في مختلف الاختصاصات ذات الصلة يشكلون ركيزةً أساسية في أي حرب جدية على الفساد،  فكان حضورهم في الائتلاف واضحا وبينا من خلال لجنة خاصة بالخبراء، ننتظر منها أن تُمِد الائتلاف بالرأي العلمي والفني الرصين، وبالمقترحات النافعة والدراسات المتخصصة.

أيها السادة والسيدات،

إننا في الائتلاف الوطني لمحاربة الفساد ندرك جيدا أن الحرب عليه أصبحت اليوم بالنسبة لبلدنا حربا مصيرية، فمصير بلدنا أصبح مرهونا بخوض هذه الحرب أولا، وبكسبها ثانيا، ولخوض هذه الحرب لابد من توفر إرادة سياسية صارمة وحازمةٍ، وبيئة مجتمعية رافضة للفساد ومناهضة له، وخلقُ هذه البيئة المجتمعية هو ما سنسعى إليه من خلال ائتلافنا هذا.

فلنجعل من هذا اليوم الذي أعلنا فيه عن الائتلاف الوطني لمحاربة الفساد بدايةً فعلية لخلق بيئة مجتمعية مناهضة للفساد، ولن يتحقق ذلك إلا بدعمكم وانخراطكم في هذا الائتلاف الوطني الجامع، وذلك هو ما نتوقع منكم في الأيام القادمة إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.