
مع كل عيد أضحى في موريتانيا يتجدد جدل فقهي حول تحديد يوم عرفه مما ساهم في ارباك آلاف الموريتانيين الذين يتطلعون لصيام هذا اليوم المبارك.
و يعود الخلاف أساسا إلي تباين الآراء الفقهيه بين كبار فقهاء البلد حول مسألة ارتباط صيام يوم عرفه بوجود الحجاج علي جبل عرفات في مكة المكرمه أو اعتباره التاسع من ذي الحجه بناءا علي رؤية اللجنة المحليه لمراقبة الأهلة.
المسألة الفقهيه.. رؤية الهلال و عموم الرؤيه
تباينت الآراء حول صيام يوم عرفه بين مذهبين رئيسيين:
المذهب الأول يعتمد الرؤية المحلية (اختلاف المطالع) و يمثله الشيخ محمد ولد سيدي يحيى الذي يري أن يوم عرفة يُحدد بناءًا على رؤية الهلال في كل بلد على حدة.
و بناءا عليه ،فإن يوم التاسع من ذي الحجة في موريتانيا يوم الجمعه، يُعتبر يوم عرفة، حتى وإن كان الحجاج قد وقفوا بعرفة يوم الخميس.
المذهب الثاني الرؤية الموحدة (عموم الرؤية) و يمثله الشيخ محمد الحسن ولد الددو، الذي يعتمد الرؤية الموحدة، حيث يُعتبر يوم عرفة هو اليوم الذي يقف فيه الحجاج بعرفة، بغض النظر عن الرؤية المحلية و فقًا لهذا الرأي، يكون صيام عرفه اليوم الخميس تماشيًا مع وقوف الحجاج علي جبل عرفات.
تفاعلات:
تفاعل رواد التواصل الإجتماعي مع الموضوع و انقسموا بين مؤيد للرأي الأول و مدافع عن الرأي الثاتي، عبد الله السالم اللوه مفتش تعليم ثانوي كتب عن الموضوع' منتقدا الرأي الأول و مبينا بعض الحجج الداعمه للرأي الثاني:
الفتوى لا تكون بالتشنج والضجيج والشعبوية .
موجبه أن الحجاج اليوم يقفون على صعيد عرفة فهو يوم عرفة حتى لو قلنا إن لكل قوم رؤيتهم وحتى لو سلمنا أن لكل بلد ؤيته (وتحديد البلد عند الفقهاء لا علاقة له بالحدود السياسية ) وأن يوم عرفة هو اليوم التاسع من ذي الحجة في كل بلد فإن اليوم الخميس لا خلاف أنه من تسع ذي الحجة وهي كلها صومها سنة مؤكدة فتحريض الناس على عدم صومه خاصة بالوسايل الغوغايية هو أمر مستهجن ومرفوض شرعا فهو يوم يستحب صومه سواء كان يوم عرفة أم كان يوم التروية.
اما بخصوص صوم الغد يوم الجمعة الذي هو يوم العيد حسب مذهب الجمهور الذين قالوا بعموم الرؤية وهو اليوم التاسع من ذي الحجة في موريتانيا حسب قرار لجنة الاهلة فإنه يتنازعه الأمران فهو إما أن يكون مندوب الصوم باعتباره تاسع ذي الحجة وإما أن يكون محرم الصوم باعتباره يوم العيد وبناء على ذلك فهو محرم الصوم عند من يقتنع بعموم الرؤية وهو في الوقت نفسه مكروه الصوم بالنسبة للمذهب الآخر من باب أن فيه شبهة والورع يقول إن المسألة التي تتنازعها الحرمة والندب ينبغي تركها تورعا وعلى كل لا ألوم من صام ذلك اليوم إن كان مقتنعا بأنه تاسع ذي الحجة وإن كان الورع يقتضي غير ذلك.
أما بخصوص العيد فلا يجوز أن نعجل عن اليوم الذي حددته لجنة الأهلة وذاك لأنه لا خلاف بين أهل العلم أن صلاة العيد والأضحية تصحان في ثاني وثالث يوم العيد وخاصة أن الصلاة والاضحية شعيرتان ظاهرتان فالاختلاف فيهما مضر وفيه تشويش بخلاف الصوم الذي هو عمل فردي .
هنا مسالة قياس طرحها بعضهم حين قاس الهلال على الصلاة فقال نحن لا نصلي الظهر مع اهل مكة وهذا قياس فاسد الاعتبار لعدم اكتمال شرط العلة فالقايلون بعموم الرؤية لا يقولون أن أهل الأرض يمسكون في دقيقة واحدة ويفطرون في دقيقة واحدة فالامساك يتعلق بطلوع الفجر والإفطار يتعلق بغروب الشمس وهذا يختلف فيه أهل بتلميت عن نواكشوط وعليه فالفرق في الفطر والامساك بين نواكشوط ومكة كالفرق بينهما في الصلاة وهو بضع ساعات.
خلاصة الأمر أني انصح الجميع بسعة الصدر والابتعاد عن التشنج وأنصح أهل عموم الرؤية أن لا يصلوا العيد ولا يضحوا قبل اليوم الرسمي وما أظن أحدا منهم سيعجل عن ذلك وفي الوقت نفسه انصح المجموعة الأخرى أن لا يثبطوا عن صوم يوم لا خلاف أنه من تسع ذي الحجة المجمع على سنية صومها وأن يتورعوا عن صوم يوم يقال إنه يوم العيد.
الإعلامي الشيخ سيدي محمد معي مكلف بمهمه في وزارة الثقافه كتب عن جدلية الزمان و المكان:
الغريب أننا في أغلب الأحيان نفطر مع السعودية وعندما يقترب عيد الأضحى يبدأ اختلاف الرؤية ويبدأ الجدل حول الوقوف بعرفات هل هو مرتبط بالزمان أم بالمكان؟
وفي كل الاحتمالات نجد أنفسنا في حيرة من أمرنا...حرمونا من صوم يوم عرفة فإذا صمناه نكون قد صمنا يوم العيد وإذا لم نصمه نُحرم من أجر سنة وبين الحرمة والتسنن مسافة شاسعة... بكل صراحة جدل الزمان والمكان قد اَل بنا إلى متاهة مؤلمة.
فعلى لسان سيدنا عمر بن الخطاب نقول:
اللهم بين لنا بيانا شافيا في مسألة الرؤية.
وسط هذا الجدل السنوي يبقي المواطن البسيط يتطلع إلي تجاوز هذا الخلاف و حسم العلماء و المؤسسات الدينيه في البلاد لهذا الإشكال الذي يعيق تحقيق الوحدة في الشعائر الدينيه.
إعداد: بتار ولد الشرفه الملقب يعقوب