منذ فترة غير بعيدة قصدت شخصية كبيرة ليتواصل لي مع آخر ليس من السهل الالتقاء معه،لكن الأخير رغم وعده بتحديد موعد قريب لم ينفذ وعده،فكتبت فى السياق العام عن المواعيد و ضرورة الالتزام بها و ماورد فى ذلك من المتون الشرعية و غيرها من الآثار المعبرة البليغة الحاثة على الوفاء بالوعد و العهد،و يبدو أن المعني قرأ المقال و ربما ما بين السطور،و ضرب لي موعدا قريبا،و بأدب و لباقة أكد لي قناعته بأن المقال كتب ليطلع عليه،و حاولت تنبيهه بأن المقال لا يحمل إيحاءً خاصا نهائيا،لكنه أكد لي أنه فهم القصد.
و فى الحقيقة لم يكن فى تلك الحالة كذبا و إنما تأخيرا ثقيلا نسبيا فى الموعد المنشود،و مع التأمل نلاحظ استمرار بعض أهل السياسة و مراكز النفوذ فى إطلاق الوعود و مضاعفة نشر و ترويج الشعارات البراقة،دون تطبيق أو التزام،حتى يبلغ ذلك حد الكذب الفج الصريح أحيانا.
فهل يعقل أن مسؤولا كبيرا يكذب متعمدا و باستمرار حتى يتفق عدد غير قليل من الناس أنه يلقى الكلام على عواهنه،دون أن يحرص على الوفاء بقوله و وعده،فهل ذلك بسبب كرمه و كرهه لقول لا صريحة،أم أن ضغوط الناس و حاجاتهم المحرجة تدفع أحيانا لوعود هشة، بل فى الحقيقة لا أساس لها باختصار!.
و قد يصعب على المواطن الاختيار بين مكاتب موصدة بإحكام و أخرى مفتوحة نسبيا،لكن أصحابها لا يهمهم ما يتحدثون به،و كأن اللسان و صاحبه لا يشينهم الكذب و لا يجملهم الصدق،و هل كلتا البضاعتين سواء؟!.
و إذا كان صاحب الفخامة،محمد ولد الشيخ الغزوانى قد حث مرارا الإدارة على القرب من المواطن،فربما الأمر بحاجة لتكرار و تاكيد تلك الوصية الطيبة،فقد شكا لي البعض مرارا من قصص وعود كثيرة مؤكدة لم تنفذ إطلاقا،و بات البعض لا يجد صعوبة فى الرد على مشاكل المترددين،لأنه يتحدث بما لا يهمه إطلاقا التفكير فى متابعته و تنفيذه.
و من اللافت أن الرأي العام بات يميز بين الجاد و الهازل فى قوله و وعده،فهل ينتبه بعض المسؤولين لذلك المسار النقدي و الرقابي المتفحص،الذى يمارسه بعض المواطنين ضد من لا يفى بوعوده باستمرار؟!.
و لعله من الإنصاف أن نبحث لكل أخ عن سبعين عذر،فلعل الذين يضغطون و يلحون فى مطالبهم يدفعون بعض المعنيين بقضاء تلك الحاجات لإعطاءهم وعودا غير ذات قيمة،لكن الصراحة و الصدق أفضل من عبثية الوعود و الالتزامات.
و من حديثه الشريف صل الله عليه و سلم فى هذا المعنى:"عليكم بالصدق فإن الصدق يهدى إلى البر و إن البر يهدى إلى الجنة و إن الرجل ليصدق و يتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا،و إياكم و الكذب فإن الكذب يهدى إلى الفجور و إن الفجور يهدى إلى النار و إن الرجل ليكذب و يتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا".