تستحق الصناعة التقليدية عناية قصوى ترقى لمستوى النهوض بها وتصنيفها ضمن أولويات الأنشطة الاقتصادية الوطنية ، ويستحق الصناع التقليديون الاهتمام والتقدير والعرفان بدورهم الكبير في خدمة المجتمع في الماضي والحاضر، كما يستحقون الدعم والرعاية التي تسمح لهم بتعزيز مواهبهم وابتكاراتهم التي، كما وفرت للمجتمع في الماضي حاجاته من الصناعات والأدوات ومتطلبات الحياة في مجالات عديدة، تبقى الفرصة الحقيقية والأقل تكلفة والأسرع في بناء أسس صناعة محلية قابلة للتطوير والنهوض بقدرات أبناء المجتمع من أصحاب المهارات والتميز.
وللأسف فقد أهملت الحكومات المتعاقبة هذا النشاط الذي لم يحظ إلا باهتمام محدود جدا، كما ظل القائمون عليه يعانون بدورهم من الإهمال ويطحنهم الفقر والتهميش الذين ينضافان للنظرة الاجتماعية الدونية الظالمة التي لا تستند لأي أساس ديني أو موضوعي.
ولا شك أنه يتعين على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها بالدرجة الأولى في النهوض بهذا النشاط الحيوي وبتحسين ظروف حياة المشتغلين به سواء من الصناع التقليديين أو من غيرهم و أن تقدم لهم الدعم اللازم لتطوير مهاراتهم ومواهبهم التي قد تنعش مجال الابتكار و تسهم في تطوير صناعة محلية بمدخلات ومستلزمات وأيادي محلية، وذلك هو طريق الصناعة المستندة إلى عوامل ذاتية، و هو ما تسنده تجارب الدول المصنعة التي تثبت أن كل الصناعات والابتكارات لم تبدأ إلا متواضعة لكن مع الدعم والتشجيع والرعاية وتوفير الظروف المطلوبة تتفتح الآفاق وتتضح الفرص وتتهيأ البيئة المناسبة لقيام صناعات محلية تتطور مع الزمن إلى صناعات وابتكارات تنافس منتجات الآخرين.،
وبطبيعة الحال فإن كل جهد في هذا الاتجاه يصب بلا شك في إطار المصلحة الوطنية، وكل دعم يقدم لتطوير الصناعة التقليدية والنهوض بالمشتغلين بها هو دعم في محله وإسهام في تطوير القاعدة المحلية للاقتصاد الوطني. فهل ستوفر قرية الصناعة التقليدية التي وضع حجر أساسها بالأمس متطلبات النهوض بهذا القطاع والمساهمة في تصحيح أوضاع القائمين عليه؟ أم أنها لن تكون سوى مشروع يضاف مع الوقت لقائمة المشاريع الفاشلة عبر تاريخ الدولة وبعد فترة يخيب الأمل وتضيع الموارد والإمكانيات؟ سيتوقف الأمر بلا شك على الجدية والصرامة والقناعة بجدوى هذا المشروع الذي يجب عدم السماح بفشله تحت أي ظرف.
وعموما فإنه، وبغض النظر عن دوافع ومآلات دعم الصناعة التقليدية، فإنه يجب الحذر من استغلال أية جهود أو برامج في هذا المجال لتكريس التصنيف الطبقي أو الشرائيحي للمشتغلين بالصناعة التقليدية (لمعلمين)، حتى لو كان ذلك رغبة لدى البعض، لأن السماح بذلك سيكون خطيئة تماما كخطيئة الاستمرار في إهمال الصناعة التقليدية وظلم القائمين عليها. وعلى العكس من ذلك فإن المطلوب هو ترقية هذا النشاط والنهوض بالأوضاع المعنوية والمادية للصناع التقليديين بما يسرع تصحيح وضعيتهم الاجتماعية والاقتصادية ويسهل اندماجهم في المجتمع كغيرهم من الأفراد وفق معايير للتقييم تستند إلى قواعد الدين الإسلامي الحنيف والاعتبارات الموضوعية والعملية المرتبطة بالإنتاج والعطاء والمساهمة في خدمة المجتمع.