سياسة خفض الأسعار استراتيجية وليست إجرائية / عالي أعليوت

ثلاثاء, 07/09/2021 - 16:35

تعالت أصوات الضعفاء المبحوحة أو خفتت، جاعوا، أكلوا، شربوا، ظمئوا، فتلك مفردات لا تكاد تعني أي شيء لأغلب التجار الموريتانيين، الذين لا يهمهم إلا تحقيق الربح المضاعف، حتى ولو كان على حساب ملايين المعدمين الذين تتضور أمعاؤهم جوعا من فرط الفاقة وغلاء الأسعار، وقد سجلت الأسعارارتفاعا صاروخيا في الآونة الأخيرة، زيادة على الإرتفاع التراكمي الذي لا يعرف التراجع مهما تراجعت الأسعار عالميا، وتناولت جهات عديدة هذا الإرتفاع بأساليب مختلفة حسب اختلاف الهدف والخلفية السياسية، فمنهم من يفسره بضعف أداء الحكومة، مثل حزب تواصل الذي يرجع مشكلة الأسعار إلى فشل الحكومة وعجزها عن ضبط السوق، بينما يبرر أنصار النظام ارتفاع الأسعار بمتغيرات عالمية خارجة عن إرادة الحكومة.

ومهما تكن أسباب ارتفاع الأسعار، داخلية كانت أو خارجية، فإن الحكومة مطالبة بالتصدي لها وفعل ما يلزم لفرض التوازن بين مستوى الأسعار والقوة الشرائية للمواطنين، خصوصا الطبقات الهشة التي لم تعد تتحمل المزيد من غلاء المعيشة، بعد ما عانته بسبب الظرفية الاقتصادية الصعبة الناجمة عن جائحة كورونا.

غير أن سياسة خفض الأسعار، ينبغي أن تكون استراتيجية وليست إجرائية، فمن أجل حل جذري لمشكلة الأسعار في موريتانيا، لا بد من الإقلاع عن سياسة الحلول الترقيعية، التي دأبت الأنظمة المتعاقبة على انتهاجها كإجراءات رسمية للتخفيف من معاناة المواطنين، مثل التقسيمات النقدية، وفتح دكاكين تبيع بالتخفيض تابعة للدولة، هذه الحلول قد تجدي نفعا مؤقتا، بيد أن تأثيرها السلبي على روح الإنتاجية لدى المواطنين أكبر من نفعها، ولذلك فإنني أرى أنه حان الوقت لوضع استراتيجية وطنية طموحة ومتعددة الأبعاد، من أجل ضبط هيكلة الأسعار، التي تبدأ من سعر السوق العالمية، مرورا بالنقل، وإجراءات التفريغ والجمركة والرسوم المختلفة، إلى أن تصل البضاعة إلى السوق المحلية.

الحلول الإستراتيجية لمشكلة الأسعار تأخذ قوتها وديمومتها من قوة انسجام السياسات القطاعية، وكذلك دقة مراعاة جوانب التداخل في الحلول الموازية، ولذلك ينبغي أن تكون سياسة خفض الأسعار سياسة شمولية، ترتكز على محاور مختلفة تعمل بالتوازي، وإلا فلن يحقق بعضها الهدف المطلوب دون البعض، وتعتمد هذه الرؤية في بعدها الشمولي على محاور أساسية، ستؤدي في محصلتها إلى الهدف المطلوب بصفة استراتيجية، وهو تحقيق التوازن بين سعر السوق والقوة الشرائية للمواطن.

أول هذه المحاور يتمثل في مكافحة الفساد، لأن عدم التوزيع العادل للثروة الموريتانية، يعتبر من أهم أسباب الفقر الذي ينخر جسم الشعب الموريتاني، وثاني هذه المحاور هو التركيز على الزراعة، لأن تحقيق الاكتفاء الذاتي في المجال الغذائي، سيجعلنا أكثر تحكما في ضبط الأسعار، ثالث هذه المحاور هو إعادة فتح شركة سونمكس، التي تعتبر أداة فعالة لتوازن السوق، أما رابع هذه المحاور فيتعلق بالرقابة الصارمة للأسعار، من خلال تحديد هامش الربح الذي يحق للتاجر البيع به، اعتمادا على دراسة دقيقة ومستمرة لتطور السوق العالمية.