الأزمة السياسية في مالي...قراءة في الخلفيات و الأبعاد

أربعاء, 26/05/2021 - 14:35
سيدي ولد عبد المالك

لم يتضح لحد كتابة هذه السطور ما يسمح بتقديم معطيات تحليلية كافية عما يجري في الشقيقة مالي بعد تواتر الأنباء عن وضع الرئيس الانتقالي باه نضاو و رئيس حكومته مختار وان رهن الاعتقال من طرف مجموعة من الضباط على خلفية إبعاد قادة عسكريين من التشكيلة الحكومية الجديدة، إلا أن مجريات الأحداث في الآونة الأخيرة كانت تتسم بملامح أزمة سياسية من مظاهرها الرئيسية  ضعف تماسك و انسجام  الحكومة و ضعف الظهير السياسي المدني المناصر لها، و هو ما يجعل احتمال العودة لمربع التأزيم السياسي أمرا واردا.

وصل العسكر السلطة قبل أزيد من تسعة أشهر بعد ثورة شعبية مطالبة برحيل الرئيس السابق إبراهيم بوبكر كيتا، و رغم نجاح قادة العسكر في تجنيب البلاد للعقوبات الإقليمية و الدولية إلا أنهم أخفقوا  في امتصاص الجبهة الداخلية و إشراك القوي السياسية و المدنية الرئيسية في تسيير المرحلة الانتقالية مما تسبب في وجود قوي سياسية عريضة تجاهر بمعارضة قادة المرحلة الانتقالية و تطالب بإصلاحات سياسية واسعة للمسار الانتقالي و توسيع المشاركة في تسييره.

و يمكن إجمال خلفيات و دوافع الأزمة الراهنة في النقاط التالية:

إشكالية النظام ذي الرأسين : عندما أطاحت مجموعة الضباط الشباب بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا وقع اختيارها على العقيد آسمي أغويتا لإدارة المرحلة الانتقالية، غير أن القوى الإقليمية المعارضة للانقلاب اشترطت تنحية أغويتا عن إدارة سدة الحكم مقابل تولي شخصية مدنية لإدارة المرحلة الانتقالية على أن يكون العقيد آغويتا نائبا له. لكن هذه التسوية السياسية رأي الكثير من المراقبين ساعتها أنها تحمل في طياتها نذر أزمة سياسية مؤجلة و  قابلة للانفجار في أية لحظة. فالإنقلابيون لن يقبلوا لزعيهم الدور الهامشي الذي تمنحه له صلاحياته كنائب للرئيس، كما أن الرئيس باه انضاو المتقاعد من الجيش و المشهود له بالصرامة و النفوذ و الاستقامة لن يقبل هو الآخر أن يكون ألعوبة في أيدي مجموعة الضباط الصغار. و مع الأيام بدأت التسريبات و القرائن تؤكد صدق هذا التنبؤ، حيث اتضح أن الرئيس و وزيره الأول ليسا على قلب رجل واحد مع نائب الرئيس العقيد آسمي أغويتا. 

ضعف استيعاب القوي السياسية و المجتمع المدني: من نقاط ضعف حكام المرحلة الانتقالية في مالي تهميش الأحزاب السياسية و الفاعلين الرئيسيين في المجتمع المدني و ضعف إشراكهم في  تسيير المرحلة الانتقالية، و لعل من أكبر الأخطاء التي وقع فيها الإنقلابيون تهميش و تجاوز الأحزاب السياسية التي ساهمت في إسقاط الرئيس إبراهيم كيتا، و التي تعتبر أن جهدها السياسي هو الذي هيأ لانقلاب الجيش. فأحزاب حراك 5 يونيو ، الذي طالب بالإطاحة بكيتا، ظلت متمسكة بمواقف معارضة للمرحلة الانتقالية و تتهم حكامها بخلق أجواء للأزمات السياسية و الاجتماعية، و ذلك بالتغييب الممنهج للفاعلين السياسيين عن القضايا الكبرى للبلد. و ينسحب نفس الشيء على الاتحاد العام للعمال بمالي، الذي أدخل البلاد في سلسلة من الإضرابات شلت حركة عمل الجهاز التنفيذي في الدولة احتجاجا على ما يعتبره ضعف تجاوب حكام المرحلة الانتقالية مع مطالب و اهتمامات الشغيلة بمالي.

خوف الانقلابيين من سيناريو مصير النقيب صانوغو و جماعته :ثمة أسباب كثيرة تفسر حرص الحكام العسكريين على إحكام القبضة على المرحلة الانتقالية، فمن جهة يري  المسحوبون على  الحكام العسكريين أن إتاحة مساحة واسعة لمشاركة السياسيين في تسيير المرحلة الانتقالية قد يفسدها، في حين يري منتقدو هذا أن الطرح أن العسكر  سعوا إلي عسكرة الجهاز التنفيذي والتشريعي بغية الاستفادة من الأخطاء التي وقع فيها انقلابيو 2012 بقيادة النقيب صانوغو، حيث كان حضورهم هامشيا في تسيير السلطة، و هو ما افقدهم التأثير بعد انتهاء المرحلة الانتقالية و عرضهم للملاحقة و السجن. و يتضح من خلال الحضور البارز للجيش في مختلف مرافق السلطة(الوزارات و الإدارات المركزية بالوزارات المدنية، السفارات، و الولاة..الخ) أن ثمة نية للإبقاء على دور فاعل للجيش في مختلف مفاصل السلطة حتى بعد تسليم السلطة للمدنيين.

تنامي صراع المحاور الإقليمية و الدولية بالبلد:مع تدويل الأزمة الأمنية بمالي في السنوات الأخيرة، تزايدت وتيرة الاهتمام الإقليمي و الدولي في شؤونها الداخلية، فلم يعد هناك فاعل خارجي وحيد بإمكانه ضبط بوصلة البلد في اتجاه واحد و ذلك في ظل توزع الفاعلين الداخليين على المحاور الإقليمية و الدولية، و لعل الانقلاب الأخير الذي حصل دون ترتيب مع فرنسا، التي كانت الفاعل المؤثر الأبرز في البلد أكد وجود إطراف دولية رئيسية ذات تأثير قوي الشأن المالي. و هنا يجري الحديث عن تنافس قوي بين روسيا و فرنسا على مالى. فقد جرى الحديث عن دور كبير لروسيا في الانقلاب الذي أطاح بالرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا في 18 أغسطس الماضي. و لم  يستبعد مراقبون ساعتها أن يكون لروسيا -التي وقعت اتفاقا للتعاون العسكري مع مالي في السنوات الأخيرة وأمدتها بمعدات عسكرية متنوعة- دور في عملية الإطاحة بالرئيس كيتا.

ومن الشكوك التي أثيرت بشأن الدور الروسي المحتمل في الانقلاب عودة اثنين من القادة الرئيسيين للانقلاب من روسيا قبل أيام قليلة من تنفيذ الانقلاب بعد تلقيهما دورة تدريبية عسكرية هناك. فالعقيد صيدو كمرا  الذي يشرف  الآن على عملية توقيف الرئيس باه انضو، و رئيس الحكومة تردد اسمه في البداية كزعيم للانقلاب أغسطس الماضي، هو وزميله العقيد مالك جاو اللذان ينظر إليهما كمهندسي الانقلاب عادا من روسيا قبيل فترة وجيزة.