تركُ الدعوة أذانٌ بالخراب وشُيوعِ الفساد! / محمد عبدالله الشنقيطي

أربعاء, 31/03/2021 - 15:55

يشهدُ التاريخ بأنه ما ارتفعَ الباطلُ إلا لوجود العاملين  المُضحين لأجلِه بالمال والجاه والغالي والنفيس!
وما نزلت رايةُ الحقِّ إلا لأنه بقي معزولاً عن حركة الحياة وإدارة شؤونها المختلفة ، وبسبب تقصير المؤمنين به والداعين إليه كانَ ما كانَ من تبدُّلِ الأحوال وطمسِ المعالم وتغيير المفاهيم..حتى صارَ المنكرُ معروفاً والمعروفُ مُنكرا والحلال حراما والحرام حلالاً...ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولقد غطَّى طغيانُ مظاهر الفساد والجهل  على قلوب الكثيرين، فاغترُّوا بإمهال الله عز وجل ،  فظنوا أنَّ تحذير الغيورين من مغبَّة التمادي في المنكرات ومن عُقبى السكوت عن إنكاره..ظنُّوهُ ضربًا من ضروب الإرهاب الفكري والتَّخويف المبالَغ فيه، وليس له حقيقة..!

لكنَّ الذين يستنيرون بنور الوحي ، ويتأمَّلون نصوص الكتاب والسُّنَّة : يُدْرِكون تمام الإدراك العقوبات العظيمة التي سنَّها الله في حقِّ كلِّ أمَّة تخلَّت عن التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر، سواء كانت تلك النصوص حكاية لمصائر الأمم التي فرَّطت في تلك الشعيرة أو وعيدًا لمَن سلَكَ سبيلَها..!
وليس من الضَّروري أن تظهر هذه العقوبات بين يوم وليلة ؛ فالذي يحدِّد زمانَـها ومكانَها وصِفتَها هو الله جلَّ جلالُه وفقَ حِكمة يراها سبحانه وتعالى ، لا باستعجالَ البشر أو استبطاءهم.

وتلك العقوبات والآثار السيئةُ كثيرةٌ و متنوِّعة ، من أبرزها ما يلي :

1- عدم استجابة الله تعالى لدعاء المؤمنين :
فقد روى الترمذي بسندٍ حسنٍ عَنْ حُذيفةَ رضي الله عنه عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :
" والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بالْمَعْرُوفِ ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّه أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يُسْتَجابُ لَكُمْ".
2- زوال قُبح المعاصي واستباحتها :
فتركُ فريضةِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجعلُ المجتمع يألفُ المعاصي والشهوات ، حتى تتراكم بذلك الآفات والشرور فتصنع في آخر المطاف سُفهاءَ ومُفسدين ، يقودهم فِسقُهم وفُجورهم إلى المُجاهرة والجُرأة على إظهارِ هذه المنكرات والمعاصي في الفضاءات العامة والوسائل المرئية المشاهدة ، ويتَسيَّدوا بافكارهم الفاسدة إدارة المُجتمع..!
وتسيُّدُ السُّفهاء من أمارات الساعة : فعند الطبراني من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
"من اقتراب الساعة أن تُرفع الأشرار ، ويُوضع الأخيار ، ويَقْبُح القول ، ويَحْزُن العمل ، وتتلى في القوم المثناة. قلتُ : وما المثناة؟ قال : ما كتب سوي كتاب الله".

3- خنقُ الدعوة والدُّعاة ومحاربة الإصلاح  :
وقد ضرب القرآن الكريم لنا مثلاً بذلك المجتمع الفاسد الذي نبذَ الدعوة والدعاة حتى صاروا بِإلفِهم للفواحش والمنكرات يأنفونَ من كل دعوةٍ للطُّهر والعفاف.. كما في قصة لوط عليه السلام ، قال تعالى حكاية عنهم :
{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ }}
هذا المستوى من الفساد المُجتمعي والانحطاط الأخلاقي يصل إليه أيُّ مُجتمعٍ تقاعسَ عن حملِ الرسالة وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
 
4- تسليطُ الأعداء :
فإن الله جلَّ وعلا قد يَبتلي المُجتمعَ التارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بتسليط الأعداء وغزوهم..
وقد مُنِي المسلمون في تاريخهم بنماذج من ذلك، لا تعد ولا تحصى حتى في عصرنا الآن ، الذي نرى فيه أمة الإسلام منكوبةً في كل جانبٍ من جوانب حياتها اليوم نتيجة الإفساد وغياب الإصلاح والدعوة إليه والتعاضد من أجله ..فدمرت مساجد واحتلت اراضٍ ونُهبت خيرات واستحلت أعراض ..ولا حول ولا فوة إلا بالله.

لهذا كلِّه أقول لإخواني الدعاة والطلبة ومشايخي من الفقهاء والأساتذة وكل رجال الخير والدعوة والإصلاح :
إن فريضة الدعوة متمثلة في الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكر من أجَلِّ العباداتِ ؛ فَبِها تَقومُ أمورُ المسلمينَ ، ويَنصَلِحُ حالُ أُمَّتِهم ، وبدُونِها تَنهَدِمُ هذه الأُمة وتفسُد فِكرياً وسياسياًّ وأخلاقياً وعقائديا..
وفي الحديثِ الصحيح الذي يرويه البخاريُّ وغيره يَضرِبُ لنا  النَّبيُّ الأكرم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَثَلًا لأهَمِّيةِ القيامِ بالأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عن المنكَرِ ، فمَثَّل القائمينَ بِحُدودِ اللهِ -وهم المُستَقِيمون على أمرِ الله، الآمِرُون بالمعروفِ النَّاهُون عن المنكرِ- والواقعين في حدود الله -أي: التارِكين للمعروف، والمرتكبين للمنكر- بِركَّابٍ رَكبوا في سفينة ، تَنازَعوا مَن يكونُ في أعْلاها ومَن يكونُ في أسْفَلِها ،

وهذا هو حالُ الآمِرِين بالمعروفِ النَّاهِين عن المنكر ،  لو تَركوا ذلك لهلكت الأُمةُ بأجْمَعِها ، ولو فَعَلوه ونَهَوُا النَّاسَ عن المُنكَرِ لَصَلَح حالُ الجميع.