هذا العام، يأتي حفل توزيع جوائز أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة، الأوسكار، في ظروف استثنائية، فالحفل تم تأجيله عن موعده المحدد إلى أبريل/ نيسان المقبل، وسيتعذّر على الكثير من الضيوف الحضور إلى الحفل بشكل شخصي لاستلام جوائزهم، وبدلاً من التركيز على السجادة الحمراء، والأزياء، وخفة دم المقدمين، ونكاتهم، ستتحول الأنظار ربما هذه المرة إلى أجواء أكثر حميمية من المنازل، المكاتب، غرف النوم والمطابخ.
ما هو استثنائي أيضا بالنسبة لنا في العالم العربي، هو وصول فيلمين هذا العام إلى قائمة الترشيحات النهائية: الفيلم القصير "الهدية" للمخرجة الفلسطينية البريطانية فرح النابلسي، وفيلم "الرجل الذي باع ظهره"، للمخرجة التونسية كوثر بن هنية.
سيدتان عربيتان تحدّتا كل الظروف، وتمكنتا من الوصول إلى نهائيات واحدة من أهم الجوائز عالميا.
يحكي فيلم "الهدية" قصة أب فلسطيني ينتقل بابنته من حاجز إسرائيلي إلى آخر، بحثا عن هدية مناسبة لزوجته ليشتريها. خلال مقابلاتها المختلفة للحديث عن الفيلم تقول فرح النابلسي، مخرجة فيلم "الهدية"، إن القصة مبنية على أحداث حقيقية، غير أن الواقع دائما يفوق أي محاولة لتصويره.
أما فيلم "الرجل الذي باع ظهره"، فيحكي قصة شاب سوري اضطر إلى الهرب من بلده إلى لبنان، تاركا خلفه الفتاة التي يحبها. يعجز الشاب عن السفر إلى بلجيكا، فيعقد صفقة مع فنان سيقوم برسم الوشوم على ظهره، ليعرضه كلوحة فنية تباع في المزاد العلني.
قد تكون المنافسة قوية مع الأفلام الأخرى المرشحة للفوز، ولكن حظوظ فرح وكوثر كبيرة جدا، وفي حال الفوز، سيكون ذلك أول فوز للبلدين، فلسطين وتونس. كما أن فوز فرح أو كوثر، أو كليهما، تعبير عن قدرة النساء على تحقيق الإنجاز والتحدي والإبداع، حتى في ظل أصعب الظروف.
بالنسبة لفرح، هذا الفيلم هو ثالث فيلم قصير تقدمه، والواضح من تنقلاته بين المهرجانات العالمية أنه يحقق إنجازات كبيرة، ويحظى باهتمام بالغ. أما بالنسبة لكوثر، فتجاربها السابقة كثيرة، نذكر أهمها وهو فيلم "على كف عفريت"، والذي يقدم قضية التحرش الجنسي بالنساء في تونس، ولكن بطريقة سينمائية مبتكرة.
فيلم يسلط الضوء على معاناة الفلسطينيين، وآخر يسلط الضوء على معاناة الشعب السوري. هذه الأفلام تعيد إلى الواجهة قصصا لشعوب عانت لفترة طويلة، وأصبحت في ذيل عناوين النشرات الإخبارية، ربما لمرور سنوات طويلة عليها، أو ربما لأن قصص الناس وحكاياتهم تحولت إلى أرقام لا يكترث لها أبدا.
الأهم الآن، هو أنه برغم السنوات الطويلة، ستبقى السينما هي الأداة التي تحكي أوجاعنا وآلامنا، وتنقل قصصنا برغم قدمها إلى المحافل العالمية. لهذا، سواء فازت فرح أو كوثر (أو كليهما وهو ما أتمناه) بالجائزة، هذا ليس بالأمر المهم، ففي نظرنا جميعا هاتان المخرجتان حققتا فوزا من نوع آخر.