الزواج بين الوهم والحقيقة (5) / خدجة منت سيدي محمد

ثلاثاء, 16/03/2021 - 10:24

لقد كثر الحديث عن مشكلات الزواج، و صنفت فيه الكتابات و المقالات، وبحت حناجر الغيورين على مجتمعهم من التحذير مما يصاحب كثيرا من الزِيجات من المشكلات والتعقيدات.

ولقد تعرضت في المقالات السابقة إلى بعض العقبات و أنا اليوم بصدد الكلام عن عقبة أخرى من صميم الحياة الإجتماعية، وتتعلق بحياة كل فرد وأسرة في المجتمع، على مختلف الظروف و المستويات، وحيث أنها كذلك لا تزال موجودة متجددة، تتقدم الأعوام و تزداد العراقيل، وتمضي السنوات و تكثر العقبات، و كأن الطرق قد سدت أمام الراغبين في الزواج، والحواجز قد وضعت في طريقهم،إلا أن هذه العوائق قد تنوعت وتعددت في دروبهم، حتى ظهر الحال بمنظر ينذر بخطر العواقب وسوء المنقلب، وحتى غدت قضايا الزواج كما ترون ملحة تحتاج لعلاج فورى و تصدي جدي من عامة المجتمع.

لذا كان لا بد من طرحها بإلحاح، قياما بالواجب الإسلامي و الاجتماعي و شعورا بمأساة الكثير من الشباب  العاجزين عن الزواج الذين أصبحت تكاليف الزواج تمثل شبحا مخيفا لهم، وعقبة كَأْدَى في حياتهم و هم لا يزالون يصطلون بنار الشهوة و يكتوون بلظاها و قد تحول الزواج من سكن و مودة الى اضطراب وشحناء، لما يشتمل عليه من العادات الصعبة و قد جاءت شريعتنا الغراء  بتيسير أمور الزواج و الحث على الإقتصاد فيه.

روى الإمام أحمد رحمه الله من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة).

فلماذا الغلاء ؟ إذا كان الشاب ذا دين و خلق فهو الذهب و الفضة  بعينهما وكذلك البنت ، لا تنظروا بعين السخط و لا تتذرعوا بتأمين المستقبل بل انظروا الى قول الله عز وجل : « وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ » صدق الله العظيم.

وإياكم من عضل النساء و عدم تزويجهن من الأكفاء ففي الحديث : « إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ » رواه الترمذي , وحسنه الألباني

وقال صلى الله عليه وسلم :« ...فاظفر بذات الدين تربت يداك» ، و الظفر لا يكون إلا في الغنيمة.

ومن فرط حنو الوالدين و حبهما لأبنائهما أنه بودهم لو تمكنوا من صحبتهم في غدوهم و رواحهم  حتى يؤمنوهم إذا خافوا و يعطوهم إذا احتاجوا و يدافعوا عنهم كل معتد ... و لكن الأمنية مستحيلة فكل واحد منهم -وهذا حقه- يريد أن يكون ابن تجربته الحياتية التي يراها هي الافضل أكثر مما ينصت و يتعلم من غيره، ولا تستغرق  تربية أبنائنا إلا سنوات محدودة من عمرهم هي التي يستمعون فيها  لتوجيهنا ،ولكن بعد سنوات بسيطة سيحتل المساحة مع الوالدين الأصدقاءُ و المدرسة و المجتمع والتجارب.....

وبناء على  الحقائق التي ذكرت فإنني أحاول تقديم تصور لفهم الحياة حتى تكون هذه الكلمات شارة طريق للوالدين نهديها لهم -وابناؤُهم يخوضون غمار الحياة -فبعض الآباء قد خانوا الأمانة التي حُملوها في أولادهم، وذلك بمنعهم من الزواج بمن يرضونه تحت ضغط عوامل كثيرة فيفقد الزواج بذلك أحد اهدافه الرئيسية وهي الحصانة و العفاف وذلك بعدم القناعة باختيار الاهل  ، فتدخل هذه الفتاة أو الفتى معاناة أخرى قد تنتهي بالطلاق المبكر نتيجة زواج سياسي او مصلحي .

ومن أسوء صور العضل ايضا فرض الشاب او الشابة على أحد ابناء القرابة فلا يسمح بالزواج من غيره ولو طال الأمد وهذه أنانية مفرطة تراعى أعرافاً وتقاليد بعيدة عن المنهج الصحيح لهذه الرابطة الوثيقة و تخالف الشريعة الخالدة، لا يجوز أن يجبر احدهم على من لا يريد فإذا اختار أحد الشابين كفئا و أختار الولي كفئا غيره يقدم الذي اختاره المتزوج.

وهذا لا يعني تفرد احد الشابين برأيه فلا بد من مشورة الوالدين و الحوار معهما في القبول او الرفض واياك ايها الإبن ان تخذل والديك و تؤذيهما بزواجك فإن اتقيت الله في والديك فلن تكون العاقبة إلا خيرا، قال تعالى :« وَٱلْعَٰقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ » صدق الله العظيم ، التمس مايرضيهما  فهذا امتحان لوفائك، لبِّرك، ليس الزواج قائما على الجمال و المال  فحسب كما أسلفت بل على الدين والخلق، اعرف لنفسك مكانها وحيث ما كنت فكن رجلا لا يجب أن يسمح لعواطفه أن تتغلب عليه وهو يشيد بناء صرح الزوجية.

ومشكلة الكثير من الشباب تبنّيهم لآراء وأفكار والدفاع عنها و كأنها حقائق يجب التسليم بها، وفي الحقيقة إنما يجب أن تكون المصلحة مناط الاختيار.

فتسويق الفكرة أكثر صعوبة من تسويق مُنتج ملموس؛ وذلك لأن البشر يختلفون في دوافعهم لتبني الأفكار، فتجد منهم صنفا عاطفيا يحتاج إلى خطاب رقيق مملوء بالعاطفة الجياشة كي يقتنع ويتأثر، البعض الآخر يحتاج إلى خطاب عقلاني مُقنع، صنف ثالث يميل إلى الاقتناع بما يقتنع به الجمهور أو ما يعرف بثقافة القطيع ، صنف رابع يميل إلى الاقتناع فقط بالشيء الذي يحقق له مصلحة ما و تحتاج كي تقنعه أن تضرب على وتر المنفعة المتحققة العام منها أو الخاص.

فهل من العدل، أن نولد غير متكافئين ثم نحاسب على ما وصلنا إليه في النهاية دون أن نضع في الاعتبار الفارق الشاسع بين بدايتي و بداية غيري؟

و الاجابة الحاسمة لا ! ، فالله عادل و القدر كذلك، إن الله  لم يوحد لنا جميعا نقاط البدء إلا ليعطي لكل واحد منا تعويضا مناسبا، لا يستطيع رؤية هذا التعويض إلا من سعى إليه...

فدعنا أولا نتفق على أن النجاح و الرقي في الحياة ليس منحة أو عطية بل هو كسب يد وعرق جبين.

سأقف عند هذه القضية وماذاك إلا لأنها قضية مهمة في تحديد مسيرة حياتنا، بل وتحديد مفاهيمنا الخاطئة، ليحصل التغيير وتتضح الطريق.

فالتغيير هو عملية انتقال إلى الرؤية المنشودة فهو ليس حدثا يحدث بل هو عملية تمر بخطوات قال تعالى :(نَّ اللَّـهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَومٍ حَتّى يُغَيِّروا ما بِأَنفُسِهِم) صدق الله العظيم، توحى الآية بقانون صارم ثابت يحكم العلاقة بين المحتوى الداخلي النفسي للناس والتغيير من حال إلى أحسن.

وأهمية هذه الآيات أنها توجه الانظار الى ان النفس البشرية هي ساحة التغيير الاولى وميدان التحدي الأساسي إذن فنحن مأمورون شرعا  بالتحرك و التخطيط، فالله جل شأنه و عزت قدرته يستطيع بكلمة كن أن يغير كل شيء ولكنه شاء أن لا يحدث التغيير إلا بجهد ، فالرسول صلى الله عليه وسلم أحب البشر الى الله خطط وتعب وضرب و كسرت رباعيته. و الله جل جلاله قال لموسى عليه السلام أن يضرب بعصاه البحر، هل يمكن أن تشق عصا البحر ؟ وهل لها هذه القوة؟ هذه العملية ليس لها اي داعي من ناحية النظرة  البشرية فالبحر سيشق بمعجزة إلهية، ولكن التغيير لن يحصل الا بجهد بشري، وهذه مريم ابنة عمران عليها السلام بعد الولادة  أمرها الله جل جلاله بأن تهز إليها بجذع النخلة ، وانا اتحدى اي شخص ان يهز جذع نخلة ويقطف الثمار، لكنها الحركة ليحصل التغيير.

 وما أكثر الذين عاشوا ولديهم مئات الفرص ليكونوا عظماء ويأبون إلا أن يكونوا أي شيء.. أو لا شيء.

العيب أن تعلل فشلك بظروفك، وحالك، ، دون أن تنطلق متحرراً من كل هذه القيود الواهية.

وأقول الواهية لأنها فعلاً كذلك مهما بدا لك من قوتها وإحكامها.

 إن القاسم المشترك بين كثير من العظماء هو البداية المؤلمة المتعثرة ولك في أنبياء الله قدوة.. ومثل.

فإذا ما قلت أين أنا منهم وانا العبد الضعيف، وهم رسل الله المؤيدون بالوحي، فسأجيبك-رغم إنكاري دعواك-إلى أن: 

عنترة المولود عبداً، وصلاح الدين القادم في ليلة بؤس وشقاء و الروائي تشارلز ديكنز أعظم أدباء انجلترا الذي سُجن أبوه فترك المدرسة ليعول أمه، كل هؤلاء بدأوا بداية مؤلمة، لم يكن فيها -حسب رؤيتنا الضيقة- ثمة أمل أو انفراجة.

أقول لك هذا كي أنبه روحك فلا تسقط في شرك المقارنة بين حالهم وحال من دفعت له الأيام بعض المكافآت المبكرة؛ وسيأتي نصيبك لا محالة.

يقول براين تريسي في كتابه تحقيق الأهداف  : يبدأ كل شيئ بالقلم و الورقة ونفسك.

فعند الشروع في الكتابة تستعمل عنصريين :

بدني وهو إمساك القلم

عقلي وهو التركيز

وبذلك تتحقق 50% في المئة من أهدافك  و الباقي على الحركة و العمل.

حدد واقعك و رؤيتك و مسارك فما أجمل أن يعيد المرء تنظيم نفسه بين وقت و آخر و ان يجلس معها ليرى مواطن الضعف و الركود و يضع قائمة تحديد المشاكل المراد علاجها و ان يحدد أهدافه التي ينوي تحقيقها، قال احد المفكرين ويليام جيمس : أعظم اداة لتغيير العالم هي قدرتنا.

فقم بتطوير ذاتك ولا تلم الزمن و الظروف و المواقف و الحكومات و الوساطات و فساد الواقع.

بادر بتحسين حياتك وأمسك زمام الأمور، يقول فرانكلين روزفلت : المانع من تحقيق أحلام الغد هي شكوكنا.

فاتجه الى ماتستطيع ان تعمله و ان تتحمله امكانياتك، انظر مثلا الى صاحب آمازون كيف كانت بدايته في محل بسيط للتوصيل و أين هو الآن.

هم نجحوا بوضع أهداف لانها هي الأدوات الأساسية للتحسين و التطوير  فمع الثورة التكنولوجية التي نعيشها تبرز أهمية تحديد الأهداف، يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله في كتابه النفس البشرية : الحركة عندما ترتبط بالهدف توصل الإنسان إلى السعادة.

وبدون هدف تعيش تائها مبعثرا وقتَك للجميع.

أيها القارئ نلتقي عند طريق آخر من طرق التغيير  لتقليب صفحات الموضوع و الخوض فيه مع عقبات أخرى سأتطرق إليها في المقال القادم بإذن الله