يستطيع أي شخص مهتم بالأساطير المختلفة، والقصص التاريخية القديمة، أن يخبرك بسهولة أن القدماء المصريين، هم أصحاب أفضل الأساطير والقصص، وذلك لأنهم من أوائل الأمم التي شيدت حضارات عظيمة، مما أتاح لهم وقت للتفكير في الحياة والتأمل، بالإضافة إلى اختراعهم القراءة والكتابة، ومن خلالهم استطاعوا أن يكتبوا لنا ما يؤمنون به، ومن خلال هذه الكتابات لم نعد نحتاج إلى مؤلف يضع الرتوش حتى يخبرنا بقصص متماسكة جيدة حول القدماء المصريين، بل أصبحنا نحتاج إلى خبير ماهر يحل لنا الألغاز المتروكة، ويفك لنا شفرات لغتهم، وبعد ذلك نستطيع أن نقرا حياتهم بكل سهولة، وفي هذا المقال سنهتم بالكتاب الأشهر، وهو كتاب مصر القديمة وسنصف من خلاله رؤية قدماء المصريين للعالم السفلي، بمعنى أخر الحياة الأخرى.
مخطوطة آني
عند النظر على الكتب التي دونها المصريون القدماء حول الموتوالعالم الأخر، سنجد أنهم تعدوا العشرون ألف كتاب، يختلفوا في وقت تدوينهم، كما يختلف ما بداخلهم، وتعتبر مخطوطة آني هي أشهر هذه الكتب ويطلق عليها كتاب مصر القديمة نظرا لضخامة حجمها، وذلك حيث أتت في لفافة ضخمة يصل طولها لخمسة وسبعين قدما، تم اكتشافها منذ ثلاثمائة عام تقريبا، وتم حفظها وفك شفراتها التي سنعرفها معا، ويمكنك الآن أن تصل بسهولة لهذه المخطوطة في المتحف الإيطالي؛ قبل كتابة المخطوطة، كان آني من الحكام العظام الذين حكموا مصر، وهو من الأسرة التاسعة عشر ويعتبر من أكثر الحكام الذين فكروا في الذي سيحدث بعد الموت، تبدأ قصة آني أثناء سيره مع أحد أصدقائه، وكانوا يتناقشون في موت أبن عم آني الذي مر عليه أسبوع واحد، وفجأة بدأ آني يتساءل في ما الذي يمكن أن يحدث لقريبه بعد موته، وهل كان يجب له أن يستعد لما سيحدث له، وهنا كبرت الفكرة في رأس آني، وأصبحت تلازمه أثناء تأديته مختلف نشاطاته.
كتابة كتاب مصر القديمة وفائدته
بعد الكثير من التفكير، وصل آني لحل للمشكلة التي تشغله، وفي النهاية قام بعمل مخطوطة آني، التي وضع فيها رؤيته حول الحياة الآخرة، وتمتلئ المخطوطة بالصلوات، والتعاويذ السحرية، والدعوات، والابتهالات التي ستساعده في الحياة الآخرة، هذا غير عشرات الرسومات، وقد ساعد آني في عمل هذه المخطوطة أنه من أمهر الخطاطين في طيبة، وتحول كتاب مصر القديمة الخاص بآني لصلوات وشعائر جنائزية تساعد في اجتياز اختبارات الحياة الأخرى، حتى يصل المرء للخلود، لكن هذه الصلوات والشعائر، كانت من أجل الفراعنة فقط، أما عامة الشعب فلم يكن لهم أن يحيوا حياة أبدية، لكن بعد مرور الوقت، أقتنع عامة الشعب أنهم أيضا بإمكانهم أن يذهبوا للحياة الأبدية إذا تخطوا بعض الاختبارات.
موت آني وبداية الرحلة في العالم الأخر
تبدأ رحلتنا بعد موت آني، يتم إحضار العديد من الكهنة، والذين يقومون، بغسل جسد آني، ثم يقوموا بإخراج كل أعضائه، إلا القلب، وذلك لأنهم يعتقدون أن القلب هو مصدر الإحساس، والتفكير، والذاكرة، والذكاء، وبعد هذا يتم توزيع ملح النترون داخل كل جسده، ثم يتم لفه بالكتان المبلل، والعديد من التعاويذ السحرية التي من المفترض أن تحميه، وبعد ذلك يتم الكشف عن القلب ويوضع عليه تميمة على شكل جعران، وتستغرق هذه العملية حوالي شهرين كاملين والهدف منها هو جعل تعرف روح آني على جسده عند عودتها أمرا سهلا، ولكن لكي ترجع هذه الروح للجسد، لا بد أن تجتاز بعض الاختبارات أولا، وهذه الاختبارات هي عبور مئات من الكهوف الضخمة، والعديد من بحيرات النار، وبوابات سحرية تحرسها وحوش مخيفة، تماسيح، وثعالب، وثعابين، هذا غير أنصاف البشر والحيوانات، والأسواء من كل هذا هو وجود أبوفيس ثعبان الدمار، وينتظر هذا الثعبان مرور الأرواح حتى يلتهمها.
استعمال كتاب مصر القديمة واجتياز الاختبارات
مع كل هذه الاختبازات يحتاج آني مخطوطته، والتي تشمل التعاويذ والصلوات، التي ستساعده في المرور من كل هذه الأمور، حتى من الثعبان حاصد الأرواح، بشكل سري لن تجعل الثعبان يراه من الأساس، وبعد هذه العقبات يذهب آني لماعت إله الحق والعدل، لكن ماعت سيرسله إلى الاختبار النهائي، وهو أن يقنع 42 إلها بأنه رجل صالح طيب لم يقم بأي فعل آثم في حياته، يجب أن يناديهم بأسمائهم دون خطأ، ثم يخبرهم أنه لم يكن سببا في بكاء أحدهم، ولم يسترق السمع أبدا، والأهم أنه لم يلوث ماء النيل، وبالطبع لم يكن آني بهذه المثالية، ولهذا تم وضع تميمة الجعران على قلبه، والتي نقش عليها، لا تقف ضدي، ومعنى هذا ألا يقف قلبه ضده، وبالتالي لن يذكره بالوقت الذي لوث فيه النهر أو سمع فيه أحد الأشخاص يتحدثون، وبعد كل هذا يبدأ الاختبار الحقيقي.
الاختبار الأصعب والذهاب إلى النعيم
بعد هذه الاختبارات يتبقى على آنى الاختبار الأهم وهو وزن القلب في الميزان الذهبي الكبير، يقوم آني بوضع قلبه في كفة الميزان، والكفة الأخرى يوضع فيها ريشة طاهرة، إذا كان وزن قلبه أثقل من الريشة، يأتي الوحش عمعوت ويأكله، وهنا يختفي من الوجود إلى الأبد، وهذا الوحش يتكون من تمساح وفرس نهر ونمر، أما إذا كان قلبه أخف من وزن الريشة، فإن الإله رع سيأتي له، ويأخذه إلى إله الأخرة، والأخير سيمنحه إذن للدخول إلى الحياة الأخرى، وهي عبارة عن حقول لا نهائية، خضراء مزروع فيها القصب، وفيها يلتقي آني بأقاربه، في هذه الحقول لا آلم، ولا حزن، ولا هم، فقط سعادة وعمل، والعمل هنا هو زراعة الأراضي ويقوم تمثال وضعه آني في مقبرته بمساعدته في الزراعة.
وهكذا نكون قد انهينا شرح كتاب مصر القديمة الأشهر، وهو مخطوطة أو لفافة آني، وبالرغم من كثرة ما كتبه القدماء المصريون حول البعث والخلود، إلا أن مخطوطة آني تعد من أوائل ما تم كتابته، وذلك حيث ترجع للقرن الثامن عشر قبل الميلاد، وتم ذكر مخطوطة آني بالتحديد تحت عنوان كتاب مصر القديمة لأن بها من التفاصيل ما يجعل الاختلاف بينها وبين أي كتاب مصري أخر قليل جدا، كل ما كان يختلف هو تعويذة، أو صلاة معينة، وكان ذلك يتم بتقدم الوقت، حيث كان الكهنة يقترحوا على الفرعون صلاة أو تعويذة، يمكنها نفعه في اجتياز اختبار معين، وعليه كان الفرعون يكتب كتابه الخاص به، الذي يضعه معه في مقبرته، حتى يساعده في حياته الأخرى، وأصبحت هذه الكتب الآن من أشهر الأدلة حول أساطير الشعوب وفهمهم للموت والحياة.
الكاتب: أحمد أمين