هل أخذت القمة بخاطر الأمة؟ / بلال عالي أعمر لعبيد

ثلاثاء, 16/09/2025 - 15:41

كنتُ، كغيري من المواطنين العرب المسلمين، أتابع عن كثب اجتماعات قادة العالم العربي والإسلامي المنعقدة أمس في العاصمة القطرية الدوحة. وكنتُ آمل، على الأقل، أن تُتخذ جملة من الإجراءات الرادعة بحق هذا الكيان المارق الذي تغوّل في الظلم، وسفك دماء الأبرياء، وتعدّى على سيادة الآخرين. ولعلّ أبسط تلك الإجراءات، وأكثرها فتكًا دون أن تكلّف جهدًا يُذكر، هي المقاطعة الاقتصادية؛ ذلك السلاح الصامت الذي يُوجع أكثر مما يُقال.

لكن ما جرى جاء عكس كل التوقعات، والتطلعات، والآمال. بيانٌ صدر، وكلماتٌ أُلقيت، لا تُقدّم ولا تُؤخّر. كان يكفي أن يجلس كلٌّ منهم في مكتبه، ويُلقي تلك الكلمة التي لن تغيّر من الواقع شيئًا؛ فلا هي أوقفت الكيان، ولا عطّلت مصالحه.

في قاعة القمة، توالت الخطابات التي حملت نبرة الغضب، لكنها افتقرت إلى أدوات الردع. الرئيس الموريتاني، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، شدّد على أهمية تجاوز ردود الفعل الفردية، داعيًا إلى “موقف موحد ومتماسك قادر على التأثير في مسار الأحداث”، مضيفًا أن “سياسة الانتهاك والتصعيد لن تُواجه بالصمت، وإنما بموقف مشترك جاد يستند إلى الآليات الدولية ذات الصلة”. أما الرئيس المصري، فقد وصف العدوان الإسرائيلي على قطر بأنه “انتهاك صارخ للسيادة”، ودعا إلى “موقف عربي موحد يضع حدًا للغطرسة الإسرائيلية”. في حين طالب الرئيس الإيراني بقطع العلاقات مع إسرائيل، معتبرًا أن “التطبيع هو خيانة لدماء الشهداء”. أمير قطر، مستضيف القمة، شدّد على أن “العدوان على الدوحة هو عدوان على كل الأمة”، لكنه لم يعلن عن إجراءات اقتصادية أو دبلوماسية مباشرة.

أما البيان الختامي، فقد أدان الهجوم الإسرائيلي ووصفه بـ”الجبان وغير الشرعي”، ودعا إلى وقف فوري للعدوان، وتشكيل لجنة تحقيق دولية. لكنه لم يتضمن أي خطوات تنفيذية مثل المقاطعة أو تجميد العلاقات أو سحب السفراء. اكتفى القادة بالدعوة إلى “استخدام كافة الوسائل القانونية والدبلوماسية”، دون تحديد آلية أو جدول زمني.

ورغم أن القمة لم تخلُ من قرارات ومبادرات، إلا أن معظمها جاء في سياق عام لا يرقى إلى مستوى الحدث. فقد أُعلن عن تأسيس صندوق عربي للاستثمار في الابتكار والتكنولوجيا، وإطلاق مبادرة “الاستدامة العربية 2030″، إلى جانب دعوات لتعزيز التجارة البينية ودعم مشاريع الأمن الغذائي.

كما تم التأكيد على وحدة وسيادة الدول العربية، ورفض التدخلات الخارجية، مع الدعوة إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية بشأن العدوان على قطر.

لكن هذه القرارات، وإن بدت طموحة على الورق، لم تتضمن أي إجراءات ردعية مباشرة بحق الكيان المعتدي. لا مقاطعة اقتصادية، ولا تجميد علاقات، ولا سحب سفراء. وكأن القمة اختارت أن تُراكم الملفات لا أن تُشهر المواقف. فهل يُعقل أن تُواجه دماء الأبرياء بمبادرات بيئية؟ وهل يُجدي الحديث عن التجارة في ظل العدوان؟

وهكذا، تحوّلت القمة إلى منبرٍ للكلمات، لا منصة للفعل. الأمة كانت تنتظر سيفًا، فتلقت قصيدة. كانت تأمل في ردع، فتلقت رجاءً. وبينما يتحدث القادة عن التضامن، يواصل الكيان المارق عدوانه، غير آبهٍ بالبيانات ولا بالخطابات.

إذا لم تأخذ القمة بخاطر الأمة، فلتأخذ الأمة بخاطر نفسها. لتكتب بيانها بمداد الغضب، لا بحبر المجاملة. فالتاريخ لا يُخلّد الكلمات، بل يُخلّد المواقف. وما لم تُكتب هذه اللحظة بموقفٍ حقيقي، فستُكتب كصفحة أخرى من صفحات الخذلان.

وفي الختام، يمكننا أخيرا أن نجيب على السؤال: هل أخذت القمة بخاطر الأمة؟ الجواب، بكل أسف، وبكل ذهول: لا… لا… لا، لم تأخذ القمة بخاطر الأمة.

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم