الزكاة بلغة العصر ضرائب على الدخول والاستثمارات والمقتنيات الثمينة المكتنزة، شرعها الوحي وفصل المقادير التي تأخذ منها وحدد لمن تعطى، في العهد النبوي وحسب المدون كانت عملية جبايتها تسير بسلاسة باستثناء حادثة بني جذيمة الفظيعة التي نُفذت بنفس جاهلي وتبرأ منها المبعوث رحمة للعالمين، لأن محمدا (صلعم) بُعث هاديا ولم يُبعث جابيا.
بُعيد لحاقه بالرفيق الأعلى تأولت مجموعات قبلية الآية الكريمة [ خُذ من اموالهم صدقة]على أن جبايتها تخص الرسول وحده ،فجبت زكاة اغنياءها وردتها على فقراءها، وكان للسلطة الجديدة راي آخر فاعتبرت الإجراء تمردا.
في تلك الفترة لم تكن الثروة عقارات ولا معادن نفيسة بل كان بعضها كنوزا ثمينة وسلع تُجر وأغلبها نَعم يقتاتون منها أكلا وشرب لبن، متخذين من اصوافها واوبارها واشعارها أثاثا يستمتعون به ويتفاخرون به.
بعد وصول الخليفة الثالث للسلطة صعدت بورجوازية محلية نتيجة تراكم الثروة المصاحب لتدفق الريع القادم من خزائن بيزنطة وفارس، فأخرج زكاة النَعمٍ من الدورة الاقتصادية لموارد الدولة وترك الملاك يتصرفون فيها، لا تعطي المدونات الفقهية تفاسير كثيرة عن دواعي الإجراء بل إن جلها وأكثرها شهرة لا تتحدث عنه أصلا، وقد نخمن ونقول بأن السبب عدم حاجة الدولة لزكاة النَعمِ التي قد يؤدي أخذ كرائمها الى تمرد قبائل شبه جزيرة العرب على “ملك قريش”
في لحظة فارغة من تاريخ المغرب المسلم قادت سلالة – من تكتل قبلي قوي راسخ الجذور في اعماق فضاء الصحراء الموحشة البعيدة عن التأثر بالفعل الحضاري- حركة قوية استطاع في ظرف قياسي بسط سيطرته على مجال واسع من ممالك المسلمين ورغم أنه لم يعمر طويلا ولم يحفظ عنه في المصادر الوسيطة سوى جانب العسكرة لتحقيقه انتصارات خالدة على العدوي المسيحي الذي كان يهدد وجود المسلمين في العدوة القصوى من بحر الروم، ظل سكان الصحراء الكبرى اوفياء له، محاطا في عقلهم الجمعي بهالة من القداسة والتبجيل جعل اغلبهم يرجع اصله الى فروع عائلاته التي حكمت.
تعاطي هذه السلالة للسلطة والنسخة التشريعية التي طبقت، معلوماتها شحيحة وغامضة خاصة في المجال الذي يُعتقد أنها انطلقت منه مثل تطبيقاتها المتعلقة بواجبات الدولة، كجباية الزكاة ومم كانت تجبى؟ هل من النعم ثروة السكان؟ ولمن تصرف؟ هل لفقراء الصحراء المبعثرين أم لتأليف جيوب المحيط الوثنية؟ وبذلك تكون قد احتفظت بالنسخة القديمة للإسلام حيث غالبية الرعايا من ملاك النعم؟ نعتقد أنها لم تختلف كثيرا عن سابقاتها وأنها كانت دولة رعية تحتاج لأن تظل خزائنها ممتلئة حتى تتمكن من شراء ذمم الأباطرة لكسب ولاءهم.
في قرون متأخرة عنها جدا وفي مجال نشأتها ظهرت حركة مقلدة لها، تقول سردية تأسيسها إن الزكاة كانت بداية انطلاق شرارة حربها المقدسة ” شر ببه ” للوصول للملك.
وعليه يمكن القول بشيء من التحفظ إن اهل هذا الفضاء لم يعرفوا زكاة يجبيها الحاكم حتى اعلن عن ذلك فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني واضعا إياها في صميم اهتمامه الشخصي وصلب برنامجه الانتخابي الواعد، وهو سبق يحسب له أحيى به فريضة منسية في بلد اختار الإسلام دينا منذ الف سنة تزيد قليلا أو تنقص بعد أن تدثر بلبوس مذهب واحد خفف الأعباء المعرفية عن مساطره التشريعية.
لافت أن الصادحين بما يسمى “تطبيق الشريعة” لم يعتبروا الحدث عودة الى الطريق القويم الذي رسم الله لعباده واحياء لأحد رسومها المندرس، ثلة من فقهاء المذهب اسند لهم التفكير والتنظير ورسم الخطوط القابلة للتنفيذ في عصر التنوير المنفتح على تجارب الأمم والمقتبس من مسارات مشابهة لشعوب لها تاريخ مع جباية الدولة للزكاة، قد تكون الطريق غير معبدة والاستجابة محدودة في مجتمع ألف أن يكون لكل ثري مفتيه ومن يقلد في أمر دينه ، إنه مجتمع تعود فصل كل أمر له خلفية دينية عن الحياة العامة، أي أنها علمانية راسخة ومطبقة وإن كانت غير معلنة ولا يتم الحديث عنها.
وضع فخامة رئيس الجمهورية خُطم بُعران القافلة على طريق الاسلاف، فهل سيستجيب ركب رجال الأعمال أو حُداته بمحض ارادتهم فيؤدون فريضة الزكاة للدولة كما كان في العهد النبوي أم بشروط؟ وهل دعاة “تطبيق شرائع المسلمين” سيقودون حملة توعية ونصح الانجاح هذا المشروع الحضاري النابع من أعماق المعتقد والنافع للمحتاجين أم سيثَّاقلون؟