عندما أقف علي الكثبان الزاحفة المحيطة بمدينة شنقيط التاريخية وأتأمل قليلا في كمية حصيات الرمل المتراصة في مابينها مشكلة غيوم من الرمال تكاد تعانق للافق
مشحونة بزخات الهواء الساخن ورطوبة سعف النخيل المتهالك!
اول ما يتبادر الي ذهني كيف تلاعبت الرياح بتضاريس هذه المدينة التاريخية حتي توارت معالم حضارتها التي كانت مصدر الإشعاع وعلم
بلغ ارجاء العالم في زمن لا تقطع المسافات إلا علي طهور العيسي واقدام الرحال
وتركها فريسة بين فكي كماشة الزمن كحرث يندب حظه بين نشاج الأرض وعقم السماء
وبينما أنا جالس علي ظهر اطول مرتفع من محيط الهضاب المترامية الأطراف “كيطي ” ابحث عن تفسير للعنة التضاريس التي تطارد مدننا التاريخية وتحول تراثنا المادي الي بئر معطلة وقصر مشيد ! قبل ان تطمر ذكراه بأساطير غابت دلائلها وتنقسم الاجيال حول حقيقتها !
بحرت بي امواج الأسي. علي أطلال أم الوطن نحو اقرب ذكريات طفولتي مما جعلني أطل من منظار الزمن مستكشفا البعض من حقيقة هذه المدينة العريقة التي تختفي في صمت وبوتيرة اسرع من سهام العولمة في أيامنا هذه !
دون مغيث من احفاد مازالو يحتسون شاي بناة صوامعها ويلبسون دروع خيطت بأنامل امهات فرسانها !
أدركني النعاس وآويت الي ركن شديد وغاب احمرار الغروب خلف جفوني لتشرق شمس علي احلم سأحاول توصيله الي كل من اخذه الفضول لمعرفة حلقات حلم يحكي حقيقة واقع
.
الحلم:
صبيحة يوم شتوي بين صخور بنية مطلة علي واد من الرمال الوردية المحاذية لشريط من النخيل تظهر مآذن وصوامع شامخات نحو السماء تحجب خيوط الشمش الدافئة عن جمع كبير من الباعة والمتجولين في حركة متجانسة مع سكينة الضحي …تكاد تسمع تهافت الجميع في سيمفونية تبعث السعادة في سماء المدينة.
فهناك أطفال يلعبون ونساء يتسوقون ورجال يعملون وقوافل تحط الرحال ورحل يغادرون المدينه، وآذان يرفع وطبول تقرع وثمار تقطف وأشجار تزع ومولود يولد وميت يدفن وخيل تصهل وكلب وراء قطيع وراعي ينام تحت الشجرة
وعلم يكتب وتلاوة تسمع
انها الحياة بكل اطيافها تعاش ….فقدمت علي الراعي النائم تحت الشجرة وسألته عن حال الأهالي فإذا به احد أفراد الواقع الذي قدمت منه …نام كما نمت علي هضبة من كثبان الرمل الزاحفة .
ودخل من نفس المنظار التاريخيّ الذي دخلت منه بحثا عن حقيقة من خلال حلم ضغيث!
فماكان منه إلا ان قادني الي جولة كاملة في هذه المدينة المترامية الأطراف المليئة بالحيوية والغنية بعلمها وعلمائها …وبما انه من الجيل الذي سبقني …استحيت من ان نقل اليه حقيقة ما آلت اليه هذي المدينة
حتي انني لم امتلك الشجاعة في إخباره أنه وكل من حوله يعيشون تحت الرمال العالية!
حتي لايفزع ويقطع هذ الحلم الاستكشافي لمدينة البست اسمها لوطن باكمله وكان بمقاسه حتي اليوم .
وخجلت ان أحيطه علما ان تراث المدينة الغير مادي اصبح نادرا لدرجه استحداث مهرجانات من اجل عرض نماذج مزيفة منه اما الموروث المادي فقد هجرته الأحياء وطمرته الرمال .!
وتمالكت نفسي حتي لا أقول له ان الاجيال المتلاحقة لم توفق حتي في بناء معلم تاريخي يعطي لعابر السبيل إشارة
للوقوف علي بقايا مدينة شنقيط التاريخية ” آبير “
وبينما أنا في طيات الحلم المؤلم أيقظتني سيارة رباعية الدفع متجهة الي قرية آبير التاريخية !
فإذا بأنوار لمدينة اشتعلت والليل أطبق سدوله علي الوادي
فنزلت من اعلا الهضبة متجها الي واقع احلى منه حلم
والعبرة من القصة أننا علي أبواب مهرجان المدائن التاريخية وارجو من القائمين علي هذا الحدث ان يجعلوا شمعة التراث والذكريات التاريخية تضيء في سماء الاجيال القادمة من خلال الاستثمار في نصب تذكاري علي انقاض مدينة آبير التاريخية التي تعتبر هي ام لمدينة شنقيط
حتي تسمي الأشياء باسمائها ويحافظ علي التاريخ دون تحريف
تحيات المهندس
احمد ولد اعمر