قال تعالى (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا* وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ وَكَفَى بِاللَّـهِ وَكِيلًا).
أطلقت حركة الحوثي اليمنية، الثلاثاء 31 أكتوبر 2023، صواريخ وطائرات مسيرة على إسرائيل، ما أثار مخاوف من تصعيد خطير للصراع في الشرق الأوسط واحتمال تجدد الأعمال العدائية في اليمن نفسها. وأعلن المتحدث العسكري الحوثي العميد يحيى سريع أنهم سيواصلون تنفيذ المزيد من الهجمات النوعية بالصواريخ والطائرات المسيرة حتى يتوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
الحوثيون جزء من تحالف إقليمي أوسع تقوده إيران (محور المقاومة). صحيح قد يبدو للمحلل السياسي أن الحوثيين يتصرفون وكلاء إيرانيين. هذا ليس صحيحا على الإطلاق. السبب الرئيسي وراء شن الحوثيين للهجوم على إسرائيل قد يكون الحصول على الدعم المحلي، وربما محاولة من جانب قيادة الحوثيين لتقديم أنفسهم كقوة مهيمنة في اليمن ومستعدة لتحدي إسرائيل: حكومة صنعاء- الحوثيين لا تحظى بشعبية في العالم العربي. لكن حرب غزة عزز موقف الحوثيين داخل "محور المقاومة".
لقد زادت شعبيتهم في جميع أنحاء الشرق الأوسط. يُنظر إلى الحوثيين على أنهم أحد الجهات الفاعلة القليلة في المنطقة القادرة على فرض تكلفة استراتيجية على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين لدعمهم لإسرائيل، على عكس الحكومات العربية التي فشلت في إقناع واشنطن بالضغط على إسرائيل. وقد ساعد هذا النهج الحوثيين على التفوق على منافسيهم المحليين وتوحيد الجمهور اليمني خلف قضية التحرير الفلسطينية. كما سمح للحوثيين بتكوين موقف فريد في المنطقة، وتعزيز مكانتهم بين الحكومات العربية المترددة في الدفاع عن أمنها القومي ضد إسرائيل، على سبيل المثال من خلال قطع العلاقات في حالة الدول الأكثر صداقة لإسرائيل أو الأقرب إلى إسرائيل.
ويبدو أن الموقف الضعيف للحكومات العربية تجاه إسرائيل تسبب في استياء شعبي متزايد في الدول العربية، ولكن بالنظر إلى الطبيعة الاستبدادية للعديد من هذه الأنظمة، فإن الرأي العام لم يكن له حتى الآن تأثير يذكر على السياسة. ومع ذلك، فإن الموقف الضعيف للحكومات العربية تجاه إسرائيل، واستمرار هذا النهج والفشل في معالجة التطلعات المشروعة للشعوب العربية، وخاصة الشعب الفلسطيني، لإنشاء دولة في وطنهم، يؤدي إلى تأجيج العنف والكراهية للأنظمة المتحالفة مع إسرائيل. الوضع الحالي في العالم العربي يشبه الوضع الذي سبق ثورة أكتوبر العظمى عام 1917 في روسيا القيصرية، والفرق هو أن السخط الشعبي والأداة الثورية كانت متوفرة في ذلك الوقت في روسيا القيصرية، أما في الشرق الأوسط فإن السخط الشعبي متوفر وناضح للثورة، لكن الأداة الثورية لم تنضج بعد، رغم أن نواتها موجودة في "محور المقاومة"، ونأمل أن تتطور وتتوسع وتصبح أداة للثورة.
والسؤال: ما هي الفوائد التي قد تجنيها جماعة أنصار الله ( الحوثية ) من مهاجمة إسرائيل؟
يعتقد بعض المحللين أن هجمات الحوثيين على إسرائيل تخدم المصالح الإيرانية. ويعتقدون أن هجمات الحوثيين تمنح إيران نفوذا تفاوضيا أكبر في السياق الأوسع للصراعات الإقليمية مثل البرنامج النووي الإيراني. وإن الحوثيين يساعدون إيران على تقديم نفسها كدولة لديها مجموعة من الوكلاء القادرين على إحداث الفوضى في المنطقة إذا اختارت ذلك.
الخطأ يتكرر مرة أخرى. فهجمات الحوثيين على إسرائيل تخدم مصالحهم في المقام الأول وليس مصالح إيران. أما السبب وراء قيام طهران بتزويد الحوثيين بالصواريخ بعيدة المدى هو أنها تريد أن يشكل أنصار الله تهديداً لإسرائيل وأن تربك الدفاعات الجوية الإسرائيلية في حالة قيام حزب الله وحماس بإطلاق وابل من الصواريخ على إسرائيل. أما سبب نفي إيران تسليح الحوثيين، فمن المرجح أنه يعود إلى حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة، والذي منع نقل الأسلحة إلى الحوثيين منذ عام 2014. ومع ذلك، لم يتردد الحوثيون في الظهور بمظهر الحليف لإيران، وذلك لأنهم يعتمدون بشكل كبير على إمدادات الأسلحة الإيرانية.
إن هجمات الحوثيين على إسرائيل تؤثر على تفكير الولايات المتحدة وفهمها للصراع في المنطقة. تلعب هجمات الحوثيين دورًا رئيسيًا في تشكيل الرواية الأمريكية، التي تزعم أن إسرائيل تواجه حربًا متعددة الجبهات برعاية إيران، وبالتالي فإن عواقب هذه الرواية هي تصعيد التوترات بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة. وهذا من شأنه أن يعزز حجج الصقور داخل المؤسسة السياسية والعسكرية الأمريكية لدفع الحكومة الأمريكية نحو موقف أكثر عدوانية ضد إيران. ولهذا السبب تحاول بعض مراكز الأبحاث وضع أنصار الله والجماعات المدعومة من إيران في العراق وسوريا في سلة واحدة.
ولو كان هذا صحيحاً، فأعتقد أنه سيكون من الأسهل على أنصار الله استهداف أقرب قاعدة أميركية إليهم في جيبوتي. لكن قيادة الحوثيين تعلم أن مثل هذا الهجوم لن يكون غير مرغوب فيه لدى الشعب اليمني فحسب، بل من المرجح أيضاً أن يكلفهم غالياً. وعلى غرار موقف حزب الله وحماس، اللذين يركزان على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، يهتم الحوثيون في المقام الأول بالقضايا الداخلية داخل اليمن.
وللعلم فإن أعضاء الطائفة الشيعية الزيدية كانوا يديرون اليمن لمئات السنين قبل الإطاحة بهم في عام 1962، دون دعم خارجي أو اعتماد عليه. ومن الممكن الرجوع إلى الوثائق المسجلة. أما موقفهم من القضية الفلسطينية، فهذا الموقف يشكل ركيزة أساسية وملزمة للعقيدة الزيدية: مقاومة الظلم ونصرة المظلومين. نشأت الزيدية من فقه مدرسة المعتزلة الثورية، مع ميل في فروعها إلى المدرسة الحنفية السنية.
تعتمد الزيدية على فكرة الخروج على الحاكم الظالم ورفض الظلم، وهذا هو المبدأ الأساسي الذي قامت عليه العقيدة الزيدية. و لهذا كان شعار الحوثيين هو: "الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام". هذا الشعار يوضح ما فيه الكفاية لأسباب هجوم الحوثيين على إسرائيل والانخراط ضمن "محور المقاومة".
د. حسن زيد بن عقيل
* كاتب ومحلل سياسي يمني