كل شيء في موريتانيا يتم تداوله على عواهنه دون التقيد بالحيطة خاصة في تجريم الاشخاص خارج أصول الشرع والقانون أو حكم القضاء رغم دعوى التدين. إنه جزء من سيطرة الضمير السيئ وغير المهني، ومن افتقارنا للأساسات المرجعية للحجج ولأصول النقد. وهكذا توضع ظلال من الشك حول كل شيء حتى على الادلة المباشرة التي تدركها عقولنا. وهكذا أيضا يوضع بعض الأشخاص موضع التوحش دون أي اعتبار لقدراتهم أو مزاياهم الشخصية أو دورهم الفعلي.. فلماذا؟.
كان ولد عبد العزيز الرجل الذي يتمحور كل شيء حوّل نفسه في سبيل الإتيان بأي شيء جديد، فقد جاء بشاب غير معروف على رأس قطاع الضرائب، ورمى به التجار والمؤسسات المتهربة من الضرائب ، أهو اكتشاف أو صدفة ! وبعد مرور السنة الأولى- يقول أحد كبار تجار "شارع الرزق " من صف المعارضة- أصبحنا ندفع ضرائبنا بأنفسنا إلى الخزينة حتى عشية أو قبل حلول الآجال، ونشكل طابورا أمام الخزينة لذلك الغرض . كما أصبحنا ندفع ضرائب واقعية مبنية على حسابات ومنهجية قابلة للنقاش .
تمت ترقية الشاب بسرعة البرق على قطاع المالية الذي صار أيضا قطاع الاقتصاد .كانت محاربة الفساد حينها هي التوجه و الشعار العريض الذي يحمله عزيز فوق رأسه من دون رؤية، لكنه كان، بالأحرى، بمعنى "منّاع للخير لغيره " في نظام الفوضى والعشوائية والابتذال وغياب أي عدالة في توزيع الموارد والمنافع وريع البلد والامتيازات على الناس بالسوائية. كانت الفكرة الكبيرة هي التقتير في أدوات العمل من سيارات للموظفين ومحو كل رفوف الميزانيات الجانبية للتسيير مثل الترويج والمساعدات والتكوين والعلوات المتعددة وغيرها، والشطب على كل العقود، كما تم التضييق في كل الهوامش التي كان الناس يستفيدون منها في الغالب بسبب تحجيم ميزانية التسيير بصفة عامة لدرجة انعدام ورق السحب في المكاتب الحكومية ، كما كان الموظفون في مراتب المدراء يستخدمون النقل العمومي غير الموجود أصلا للوصول إلى اماكن عملهم ، في خطة لم يعرف أحد المراد منها في الحقيقة .وهكذا شعر الكل حينها بالضيق في المعاش بسبب هذه الوضعية التي لم يجد المسير ولا المقاول الصغير ولا البضاعي أي بديل لها في سياسية "الإصلاح هذه " ، فمن المعروف أن "الغنيمة " الكبيرة ليست سوى ميزانية الدولة حيث يحصل كل شخص على نصيب من خلال خدمة أو بيع بضاعة أو الحصول على مساعدة ..وهكذا تحمل المختار ولد اجاي (وهو وزير المالية والمنفذ بصرامة لهذه السياسية)، بل وباندفاعية، أوزارها لوحده رغم أنها كانت قرارات لخدمة الدولة و تحمل معها حنق هذه الفيئات ، وبما أن آلام هذه السياسية كانت واسعة، كان هو أيضا يواجه كرها واسعا لهذا السبب .
ثم أنه، ولسبب آخر، كان قويا وحاضرا ومؤثرا في الدولة ولهذا كان يواجه حكما ثانيا قاسيا: كونه كان مركزيا في نظام مصنف بالفساد والعنجهية. ومع أننا -معشر المعارضات- كنا نتتبع سقطات النظام وكل أفراده، وكان من بين أو أغلب أفراد النظام والموظفين الحكوميين يبحثون في كل سلوكه وقراراته للحصول على شبهة فساد شخصي لولد إجّاي من قبيل عمولات صفقات شخصية أو تملك إقطاعات كبيرة، فقد كانت أرض نواكشوط تحت جرة قلمه من أجل توريطه والتخلص منه، ومع ذلك لم يتمكن أي أحد من الأطراف من الحصول على معلومات تدينه بالفساد، وكان الفتح المبين بالنسبة لهم والفرصة الذهبية هي ملف العشرية حيث كان فرصة لا تقدر بثمن لتوريط ولد اجاي، وكان هناك جمهور كبير يريد لف الحبل حول رقبته ، ومن أكبر الذين يحلمون حقدا لعزيز ومحيطه الوظيفي، أحد أكبر رجال المال في البلد الذي يوظف منظمات وصحافة وشخصيات في مفاصل الدولة، ولم يستطع جمع المعلومات الكفيلة بذلك، كما فتحت اللجنة البرلمانية المكلفة بالتحقيق في ملف الفساد الباب لكل من لديه معلومات لمساعدتها ، فلم يتقدم أحد بما يدينه، بل وخلال ذلك الحماس والاندفاع، قام ولد انجاي نفسه وعى صفحات الاعلام بتحد صارخ للجميع بعرض ممتلكاته "التي تعجبت الناس من قلتها مقارنة بهالة الدعاية بالفساد " متحديا أي موجود يأتي له خارجا عن ذلك بسند عقاري أو حساب بنكي أو أموال خارجا عما صرح به له أو لأحد من أفراد أسرته الشخصية، وظل ذلك التحدي يشق عباب غلاف الدعاية المضادة دون أي رد، فأي سحر إذن يملك ولد اجاي لطمس "الحقيقة" وأي حقيقة في الواقع! دون أن يشفع له ذلك في النجاة من ذلك التصنيف "الجائر" بحكم انعدام الأدلة، ومع ذلك ظلت كلمة الحق في حق ولد اجاي محاصرة ، وكانت في أعتى تجلياتها تتجه في وصفه بحجر الزاوية في نظام الفساد ، ومرد ذلك قوته وتأثيره ، وليس انضمامه الفعلي لدائرة فساد عزيز الشخصي .. هل هناك من يريد أن يفهم الفرق؟.. قد كان عزيز يقوم بالفساد بنفسه لنفسه ويستخدم ولد إجّاي في شعار الإصلاح أو محاربة الفساد من خلال تلك القرارات المالية. وهكذا ظلت كل صفقات الفساد في قطاع الطاقة والمعادن والصرف في الغالب وفي رده على صفقتي المدارس والمطار المشبوهتين أكد ولد جاي على أن قطاعه ليس مصدرا لتلك الصفقات. كان ولد إجّاي، لسوء حظه، يواجه حنق الطبقة السياسية والموظفين بسبب حرق المراحل في الوصول لمراكز القوة في نظام قوى دون أسباب وجيهة حسب محددات الطبقة الحاكمة والنخبة -علينا أن لا ننسى أن تلك المعايير ليست موضوعية إلا في حقها ، وهكذا تصمم الدعاية لمصلحة الشيطان ! - :فلم يكن سياسيا ولا قبليا ولا خريجا من مدارس النصارى، ومع ذلك وصل للسماك الأعزل في مراكز الدولة : "إنه لذو حظ عظيم ". وهكذا أيضا صار مركزا لغيرة الموظفين والطموحين لتسلق المراتب والوظائف ،بشدة وانهماك . كما أنه -وهذه أقوى أسباب العداء له أيضا- لا يتهرب من المواجهة، ولا يبتلع عداوته، بل العكس، يظهرها ويعلنها لأعدائه، وبالمقابل يعلن صداقته لأصدقائه. وهكذا كون فسطاطه الخاص به من صداقات، وتحمل تبعات العداوات خلال وصوله لمراكز القرار .
لم يتلفت أيا من الناس لقدراته الشخصية، خاصة كيفية التهام ساعات العمل، ولا البراعة في استغلال الوقت وتنظيم الملفات وضبط الملاحظات حيث لا يغادر كبيرة ولا صغيرة ، ومن ثم التماهي في خدمة أهدافه ونظامه . كما انه أيضا يتمتع بميزة القدرة على اتخاذ القرار والدفاع عنه. فهل هناك من منصف !
وهل ليس من الضروري القيام بواجب الصدق أمام كلمة الحق المحاصرة؟
من صفحة الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار