لم يكن المنتخب المغربي، الذي حقق إنجازا غير مسبوقا وتاريخيا في مونديال قطر عربيا وأفريقيا خصوصا بعد بلوغه نصف نهائي، يعوّل فقط على دعم أنصاره، بل على الجماهير العربية والأفريقية التي علّقت على "أسود الأطلس" الآمال في تحقيق المزيد بعد أن حققوا ما لم يحققه غيرهم من منتخبات المنطقة.
ورغم خروجه الأربعاء أمام فرنسا حاملة اللقب 2-0، إلا أنه يبقى المنتخب الأول عربيا وأفريقيا الذي يبلغ هذا الدور في نهائيات كأس العالم لكرة القدم.
وعقب المباراة، أثنى المدرب المغربي وليد الركراكي على أداء المنتخب، حسبما نقلت صحيفة "لوموند"، قائلا إن قيمة "الصورة التي قدمناها عن شعبنا تساوي أكثر من الفوز بكأس العالم". ولطالما كان الناخب المغربي، يثير أهمية تمثيل منتخب بلاده للعرب وأفريقيا في تصريحاته عل هامش مباريات المونديال.
وقد أثار المشوار اللافت للمغاربة في المونديال موجة من التعاطف وشعورا بالفخر والحماسة لدى كافة العرب من المحيط إلى الخليج، وهو ما تجسد سواء في أجواء الفرحة والحماسة والشغف في شوارع الدوحة ومدرجات ملاعبها، التي أبداها المناصرون العرب، وكذا على منصات التواصل التي غصّت منذ بداية المونديال بالرسائل الداعمة والمحفزة لـ"أسود الأطلس".
- "فك العقدة العربية والأفريقية"
فقد احتفل التونسيون بتأهل المغرب ورأت الصحافة المحلية في إنجازاته مكسبا عربيا وأفريقيا. وعنونت صحيفة "الشروق" اليومية مثلا: "بإنجازه التاريخي في المونديال ‘أسود الأطلس’ تفك العقدة العربية والأفريقية".
كما بلغت أصداء الإنجازات المغربية الجزائر رغم توتر في العلاقات بين البلدين الجارين. فقد كتب موقع "إنترلينيو" الإخباري الجزائري مثلا أن ما حققه المغرب هو بمثابة إنجاز "تاريخي لكرة القدم الأفريقية. المغرب هو أول بلد في القارة يتأهل لنصف نهائي كأس العالم".
وعبّرت الجماهير الجزائرية عن فرحتها مثلا بتأهل المغرب لربع النهائي على حساب إسبانيا، فرحة استمرت طوال مسارهم في المونديال. وقال مراسل فرانس24 وإذاعة مونت كارلو الدولية في الجزائر فيصل مطاوي إن التشجيع كان واضحا للمنتخب المغربي، الذي يمثل أيضا العرب وأفريقيا في هذا العرس الكروي العالمي.
وعموما، فإن المشاركة العربية في مونديال قطر هي الأفضل من حيث عدد الانتصارات المحققة في نسخة واحدة، بعد فوز تونس على فرنسا ضمن الجولة الثالثة الأخيرة من دور المجموعات. وأيضا بعد تحقيق السعودية المفاجأة الكبرى بفوزها على الأرجنتين بطلة 1978 و1986 ونجمها ليونيل ميسي 2-1.
- "نستطيع الاتحاد معا مرة أخرى"
في هذا السياق، قال محمد مندور وهو ناقد وصحافي رياضي: "إلى حد كبير أصلح المنتخب المغربي الكثير في ظل ما تشهده المنطقة العربية بسبب الخلافات السياسية. فقد جمع الشباب العربي حوله والجميع كان يتمنى له الفوز ما أسهم في إزالة رواسب أو خلافات بين الأشقاء وبعضهم. فالصور والفيديوهات التي وصلت من كافة البلدان العربية هي رسالة للجميع بأننا نستطيع الاتحاد معا مرة أخرى بعيدا عن مشاكل السياسة. يجب استثمار كل ذلك وتقريب وجهات النظر ولغة العقل والمصالح العربية المشتركة على لغة العنجهية والجفاء والتكبر. يجب أن توجه وسائل الإعلام الصورة الإيجابية لما حدث وأن تتجاهل السلبيات كلها. يجب إبراز دور الشعوب واجتماعهم على حب منتخب عربي فقط لأنه عربي".
- "الكرة أصلحت ما أفسدته السياسة"
من جانبه، اعتبر أحمد صلاح وهو لاعب سابق في نادي الزمالك المصري ومحلل رياضي بأن "ما قدمه منتخب المغرب في كأس العالم إنجاز تاريخي لكل العرب. صعوده إلى الدور قبل النهائي أسعد كل العرب. وهو في جميع مبارياته من دوري المجموعات إلى الدور النصف النهائي، قد وحد صفوف العرب في متابعته ودعمه. ما أفسدته السياسة أصلحته كرة القدم. إنجاز المغرب دعم لصفوف الجماهير العربية. حتى إننا رأينا رغم المشاكل السياسية بين المغرب والجزائر، دعم الجماهير وبعض الأعلام في الجزائر احتفاء بإنجاز المغرب".
يضيف أحمد صلاح: "المونديال هو إنجاز كبير تجسد من خلال التنظيم الرائع والنجاح الكبير لقطر كأول دولة عربية تنظم كأس العالم. سيكون هذا الإنجاز بداية جديدة لكل الدول العربية لتنظيم هذا الحدث الكبير. وقد كان التنظيم من حيث حضور الأنصار ودخول الجماهير رائعا. لا بد من استثمار الحضور العربي المميز في المونديال بشكل جيد في الفترة القادمة خاصة خلال تنظيم البطولات العربية. لا بد من تنظيم بطولات عربية لأندية البراعم والناشئين. نجحت قطر في تنظيم كأس العرب وكأس العالم بحضور جماهيري مميز. أتمنى تنظيم بطولات قادمة بنفس النجاح وتقديم الأفضل أيضا. ولعل ما تفسده السياسية تصلحه كرة القدم. المغرب وحد صفوف العرب بكرة القدم وبهذا الإنجاز التاريخي. أتمنى تكرار هذا الإنجاز من دول عربية كثيرة في كؤوس العالم القادمة".
- "المنتخب المغربي وحّد الجماهير العربية"
وبالنسبة إلى وائل سامي رئيس القسم الرياضي في جريدة روز اليوسف المصرية، فإن "طبيعة الرياضة تجميع الشعوب لا تفريقهم وهذه هي قيمة ممارسة الرياضة وأحد أهدافها الاستراتيجية. لقد قام المنتخب المغربي بتوحيد الجماهير العربية على قلب رجل واحد ورأينا ذلك خلال مونديال قطر الذي أبهر العالم بالتنظيم المشرف الذي غيّر الصورة الذهنية عن العرب أمام العالم، وحقق الإجماع على مدى قدرتهم على استضافة وتنظيم المحافل الرياضية الكبرى. في الوقت نفسه، فقد أعاد المنتخب المغربي الشقيق الهيبة للمنتخبات العربية والأفريقية ورسم هوية جديدة للكرة العربية ووحد الشعوب العربية بعد إنجاز الوصول للدور قبل النهائي. وهو ودع المونديال بشرف أمام فرنسا بطلة العالم وقدم مباراة رائعة أمامها ولولا الإجهاد لكان الفوز حليف المنتخب المغربي".
يتابع وائل سامي: "لم يكن نجاح أسود الأطلس وليد اللحظة، بل نتاج استراتيجية رياضية منظمة بدأها الإتحاد المغربي لكرة القدم منذ سنوات، من خلال تطوير قطاعات الرياضة في كافة المجالات وليس كرة القدم فقط. فنجاح الإدارة مع اختيار الكفاءات وتوافر الإمكانات وتجهيز الكوادر الرياضية المناسبة ومنح المجال لأبناء الوطن الرياضيين الذين يلعبون في كبرى الأندية الأوروبية، كان من شأنه أن يترك بالغ الأثر على فرض الرياضة المغربية سيطرتها في السنوات الماضية، ليس على صعيد المنتخب فقط بل الأندية المحلية أيضا، لتصبح التجربة المغربية نموذجا لباقي الدول العربية للتخطيط الرياضي الجيد بما يعود بفائدة اقتصادية كبرى على هذه الدول".
- "فرحة العرب بالمغرب مهمة ومؤثرة فينا"
من جانبها، قالت سعيدة العلوي صحافية رياضية مغربية: "صراحة لا يمكن لنا إلا أن نكون فخورين بهذه الوحدة التي صنعها المنتخب الوطني المغربي، بما أنجزه من نتائج جد متميزة في منافسات كأس العالم. المغرب بحمولة ثقافية وهوية متعددة عربية وأمازيغية توحدت وراء المنتخب الوطني بالإضافة إلى الشعوب العربية، والأفريقية التي لا يجب نسيانها كذلك. نحن كإعلاميين تلقينا عددا كبيرا من التهاني والتبريكات من مختلف البلدان العربية والأفريقية بعد نهاية المباراة ضد فرنسا. وبالنسبة للجماهير، فمنذ الظهور الأول للمنتخب المغربي وتأهله إلى الدور الثاني، رأينا فيديوهات رائعة من مختلف بقاع العالم حيثما وجد العرب أو المسلمون بشكل عام كانت هناك فرحة وأهازيج جميلة تضامنا مع المغرب. هذه مسألة مؤثرة ومهمة جدا بالنسبة لنا كشعب مغربي لأننا حين نشاهد احتفالات وفرحة شعوب جريحة وهي تعاني من التقسيم ومن الحروب وتتقاسم معك هذه الفرحة فهذا فخر كبير. كمثال عن ذلك، صور وصلتنا من غزة واليمن وليبيا وسوريا. جعلتنا هذه الفرحة نستعيد مرة أخرى الحديث عن الوحدة العربية وعن الهوية العربية-الأمازيغية كذلك حتى لا نستثني الشعوب الأمازيغية من الأمر. جعلنا هذا نتأكد مرة أخرى بأن الرياضة دائما في أي محفل دولي حينما يتم تسجيل أي نجاح لأبطالنا من العرب أو الأمازيغ، دائما ما تتحد الأمة وراءهم".
كما أوضحت العلوي: "شاهدنا احتفالات في الجارة الجزائر بالرغم من توتر العلاقات بين البلدين. الشعب الجزائري كان سعيدا جدا وخرج إلى الشوارع في بعض المدن بعد مباراة البرتغال، هذا يؤكد مرة أخرى أن الشعوب متحدة فيما بعضها ولا دخل لها بالسياسة. نفس الشيء لما فاز المنتخب الجزائري بكأس أمم أفريقيا 2019 خرجت الجماهير المغربية من أجل تحيته وكذلك فرحا بهذا الفوز وقس على ذلك في مختلف البلدان. تخطى الأمر الشعوب العربية إلى الإسلامية بشكل عام، فحينما نشاهد الفرحة في إندونيسيا وماليزيا وتركيا، نتأكد أن الكرة والرياضة في أكثر من مناسبة أثبتت أنها توحد الأمة ونحن في حاجة إلى الفرح وسط وضع اجتماعي صعب، هناك بلدان ترزح تحت الحروب والمآسي والأزمات الاقتصادية".