ستشهد مدينة شرم الشيخ المصرية وصول أكثر من مئة من قادة الدول والحكومات ابتداء من يوم الأحد للمشاركة في "قمة القادة" خلال مؤتمر الأطراف السابع والعشرين حول المناخ (كوب27) بحسب ما أفاد المنظمون المصريون.
يأتي هذا في أجواء تشهد أزمات عديدة ومشتركة على غرار الحرب في أوكرانيا والضغوط الناجمة عن التضخم الذي يطال العالم بأسره وسط ركود عالمي محتمل، هذا إلى جانب أزمات الطاقة والغذاء والتنوع الحيوي...
ويُنتظر الكثير من نتائج هذه المحادثات بينما يسود العالم قلق على مستقبله جراء المشاكل المناخية من فيضانات قاتلة وموجات قيظ وعواصف في أنحاء مختلفة من أرجائه تعطي لمحة عن أسوأ السيناريوهات المحتملة.
وستستمر قمة المناخ 27 (كوب27) من السادس من تشرين الثاني/نوفمبر إلى الثامن عشر من نفس الشهر في سياق تسيطر عليه حاجة الدول الفقيرة إلى المال قصد مواجهة التداعيات المستقبلية بل تلك التي أصبحت من الآن تحصد أرواحا وتعيث فسادا بالاقتصاد.
وكانت حذرت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي من "عدم توافر مسلك موثوق" راهنا لحصر ارتفاع حرارة الأرض بالهدف المحدد في اتفاق باريس للمناخ والبالغ 1,5 درجة مئوية.
وعلى الرغم من أن مسار الاحتباس الحراري العالمي عرف تحسنا منذ أن بدأت مفاوضات المناخ في الأمم المتحدة العام 1995 إلا أنه في ظل السياسات الراهنة يتوقع أن ترتفع حرارة الأرض بـ 2,8 درجة مئوية وهو أمر يعتبره الخبراء كارثي.
هذا، وقد ترتفع درجة الحرارة بـ 2,4 درجة مئوية حتى لو احترمت الدول كل تعهداتها فيما يخص خفض استخدام الكربون بموجب اتفاق باريس.
من جهته، يأمل مسؤول المناخ بالأمم المتحدة سيمون ستيل أن تنتقل قمة المناخ (كوب27) من مرحلة الإعداد إلى مرحلة التنفيذ بشأن اتفاق الحد من الاحترار العالمي.
وخلال مؤتمر صحافي افتراضي الجمعة، قال ستيل الأمين التنفيذي لتغير المناخ بالأمم المتحدة "يحتاج مؤتمر الأطراف هذا إلى إثبات أن هناك تحولا واضحا من المفاوضات إلى التنفيذ".موضحا "باريس أخبرتنا بما ينبغي القيام به، وغلاسكو حددت كيف نحتاج إلى القيام بذلك"، في إشارة إلى اتفاق 2015 التاريخي الذي تم إبرامه في العاصمة الفرنسية لوضع حد لظاهرة الاحتباس الحراري، إلى جانب القمة التي عقدت العام الماضي في أسكتلندا وانتهت من كتاب قواعد الاتفاق.
وأوضح ستيل إن "هناك توقعات كبيرة" هذا العام بأن الدول التي زادت من استخدام الوقود الأحفوري المحترق سوف تمنح الضوء الأخضر لتأسيس مرفق تمويلي لتغطية "الخسائر والأضرار"، التي لا يمكن تجنبها أو الرجعة فيها، بحسب الأمم المتحدة.
كما تناول مؤتمر الجمعة آخر التحضيرات لانطلاق مؤتمر الأطراف حول المناخ الأحد بمنتجع شرم الشيخ السياحي المطل على البحر الأحمر شرق مصر.
أما ألدن ميير كبير وهو محللي "إي 3جي" والخبير بشؤون المناخ منذ 30 سنة فصرح قائلا: "حصلت مراحل مشحونة في السابق"، ذاكرا حروبا أخرى ومشارفة عملية التفاوض برعاية الأمم المتحدة على الانهيار العام 2009 وانسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس في عهد دونالد ترامب.
وأكد "لكننا أمام العاصفة المثلى. وقد استحدث مصطلح جديد لوصفها: أزمة متعددة الجوانب (بوليكرايسيس)".
وييشير عديد الخبراء إلى أن ما يلقي بظلاله أكثر ولفترة أطول على المفاوضات في مصر ليس الهجوم الروسي على أوكرانيا إنما التراجع المتواصل في العلاقات الصينية - الأميركية وهما البلدان اللذان تسببا سابقا في اختراقات على صعيد الدبلوماسية المناخية بما في ذلك اتفاق باريس.
مرحلة مفصلية
وكان أكبر اقتصادين في العالم قد حيدا قضية المناخ عن باقي خلافاتهما الشائكة الأخرى العالقة، وتمكنا من إصدار بيان مشترك خلال كوب 26 المنعقدة في غلاسكو.
غير أن زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان في آب/أغسطس الماضي آلت إلى انقطاع قنوات التواصل بين البلدين فيما يخص المناخ. وقد تفاقم الوضع حينما فرضت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قيودا قاسية على تصدير الشرائح التكنولوجية المتطورة إلى الصين.
ويقول لي شوو المحلل السياسي مع غرينبيس انترناشونال ومقره بكين "نحن في مرحلة مفصلية. إذا كان الوضع السياسي بهذا السوء بحيث لا تَواصُل بين أكبر مسبّبين للانبعاثات، لن نحقق 1,5 درجة مئوية".
هذا، ويُنتظر أن يحضر الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الصيني شي جيبينغ قمة مجموعة العشرين في بالي قبل أيام من بداية المفاوضات في مصر. وأكد لي "في حال التقى الزعيمان، فإن هذه الدينامية ستؤثر على ما يحصل في شرم الشيخ".
الشؤون المالية
وستتمحور أعمال قمة المناخ 27 )كوب27( حول ثلاث أولويات متشابكة وهي الانبعاثات والمساءلة والمال.
أما المسألة الرئيسية التي تحدد نجاح المفاوضات من عدمه فتتعلق باستحداث صندوق منفصل خاص بـ"الخسائر والأضرار" وهي تعويضات تدفع عن الأضرار المناخية التي لا عودة عنها.
وتنهج الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اللذان يخشيان اعتماد آلية مفتوحة للتعويضات، على صعيد هذه القضية منذ سنوات سياسة التماطل وتشككان في الحاجة إلى آلية مالية منفصلة، غير أن صبر الدول المتضررة بدأ ينفد.
ففي السياق قال منير أكرم سفير باكستان لدى الأمم المتحدة ورئيس مجموعة الـ77 + الصين وهي كتلة تفاوضية نافذة تضم أكثر من 130 دولة نامية، إن "التوصل إلى اتفاق حول آلية الخسائر والأضرار ستكون مقياس نجاح كوب27 أو فشله". وأكد أكرم خلال مقابلة مع وكالة الأنباء الفرنسية "الإرادة تصنع المعجزات".
كما يتوقع من الدول الغنية أن تضع جدولا زمنيا لدفع مئة مليار دولار سنويا لمساعدة الدول النامية على جعل اقتصادها يراعي البيئة بشكل أكبر ولتعزيز مقاومتها للتغير المناخي مستقبلا.
وكان من المفروض البدء بدفع هذا المبلغ قبل سنتين ولم يتم جمعه بالكامل وفق منظمة التنمية والتعاون في الميدان الاقتصادي (لا يزال يحتاج إلى 17 مليارا).
وكانت منحت الأولوية خلال كوب 26 في غلاسكو العام الماضي، لخفض التلوث الناجم عن ثاني أكسيد الكربون خصوصا عبر اتفاقات جانبية قامت بها المملكة المتحدة مضيفة المؤتمر، لخفض انبعاثات غاز الميثان وقطع أشجار الغابات والرفع التدريجي للدعم على الوقود الأحفوري وتشجيع الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة.
كما اتفقت الدول على مراجعة تعهدات خفض الكربون سنويا وليس كل خمس سنوات ولم يقم بذلك سوى بضعة دول في 2022.
وسيكشف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تقييما حول تعهدات الشركات والمستثمرين والسلطات المحلية لتحقيق الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن الحالي عموما.
و في شرم الشيخ ستتواصل الجهود لخفض الانبعاثات مع تقييم أعضاء الوفود والمراقبين للتقدم المحرز على صعيد وعود العام المنصرم.
فرانس24/أ ف ب