" متعاون" مع التحقيق أم جاسوس مدسوس ؟ / محمد المني

جمعة, 14/03/2025 - 21:21

هل تحدثت أي من الصحف الأميركية عن عميل مدسوس في صفوف تنظيم «القاعدة» يسمى محمدو ولد صلاحي؟
بدأت الصحف الأميركية تغطيتَها لقضية ولد صلاحي في عام 2005، عندما أصبح أحد أكثر السجناء في غوانتانامو الذين يُثيرون الجدل بسبب طول فترة احتجازه وعدم توجيه تهم رسمية إليه. واستمرت هذه التغطية في التزايد على مدار السنوات التالية، خصوصاً بعد نشر مذكراته وما بيّنه فيها حول معاناته داخل ذلك المعتقل الذي تديره الولايات المتحدة داخل جزيرة كوبية.
وقد أولت كل من «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» اهتماماً لقضية ولد صلاحي بعد أن تسربت مقاطع من مذكراته ورسائله التي بعث بها إلى ذويه أثناء احتجازه بداية من أواخر عام 2005، حيث ذكرت الصحيفتان أنه كان يُحتجز دون تهم، مما أثار اهتماماً عالمياً حول ظروف المعتقلين في غوانتانامو.
وفي عام 2006 بدأت الصحيفتان بتسليط الضوء على قضية نزلاء ذلك المعتقل، مثل ولد صلاحي، ضمن قصاصات إخبارية وتقارير أوسع حول التعذيب في غوانتانامو، لاسيما بعد نشر اللجنة الدولية للصليب الأحمر تقريراً يوثّق انتهاكات حقوق الإنسان في المعتقل.
وبعد وصول باراك أوباما إلى سدة الحكم في البيت الأبيض، عام 2009، بدأت الصحف مجدداً في تناول قضايا معتقلي غوانتانامو بشكل أكثر وضوحاً، ومنها قضية ولد صلاحي، خاصة بعد إعلان أوباما عن نيته إغلاق المعتقل.
وفي عام 2010 سربت ويكيليكس وثائق لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، تحتوي على معلومات وملخصات توضح أن ولد صلاحي تعرض لأساليب استجواب قاسية، بما في ذلك العزل، والتعذيب الجسدي والنفسي، والإيهام بالغرق والإيهام بالإعدام، علاوةً على التهديد باختطاف والدته واغتصاب نساء أسرته.
وفي ربيع العام نفسه كانت «واشنطن بوست» قد نشرت، في عددها ليوم 25 مارس 2010، تقريراً موسعاً يتناول حالة اثنين من المعتقلين في سجن غوانتانامو، هما محمدو ولد صلاحي وطارق السواح، اللذان قدّما في ربيع ذلك العام، أي بعد ثمانية أعوام من الاعتقال، معلومات للمحققين، تم بموجبها منحهما امتيازات «المتعاون» مع التحقيق، ومنها العيش في منطقة معزولة عن باقي المعتقلين، وممارسة أنشطة كالزراعة والكتابة والرسم. وتعلق الصحيفة بالقول: «لكن على الرغم من تعاونهما، فإنهما ما يزالا محتجزان في غوانتانامو دون توجيه تهم رسمية إليهما، مما يثير تساؤلات حول نظام الاحتجاز في غوانتانامو ومعاملة المعتقلين الذين يتعاونون مع التحقيق».
وما أشار إليه تقرير «واشنطن بوست» وتسريبات ويكيليكس، هو بالتحديد ما ذكرته عدة تقارير حقوقية، خاصة من «منظمة العفو الدولية» التي أصدرت عدة تقارير تدين الانتهاكات في غوانتانامو، ومنها قضية ولد صلاحي، مشيرة إلى تعرضه لتعذيب منهجي.
وكذلك «هيومن رايتس ووتش» التي وثّقت كيف تعرّض ولد صلاحي لبرنامج استجواب خاص وافق عليه وزير الدفاع الأميركي آنذاك، دونالد رامسفيلد، وشمل تقنيات استجواب غير قانونية. وهذا بالإضافة إلى تصريحات صادرة عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أعربت فيها عن القلق الشديد بشأن ممارسات التعذيب في غوانتانامو، وبصفة خاصة معاملة ولد صلاحي.
ويتحدث محمدو ولد صلاحي شخصياً في مذكراته التي نشرت تحت عنوان «يوميات غوانتنامو»، عن تقديمه اعترافات خلال السنوات الأخيرة من فترة احتجازه في غوانتنامو. قائلا إنها كانت اعترافات غير صحيحة وإنها كانت مُنتزعة تحت الضغط النفسي والجسدي، بما في ذلك الضرب والإذلال والحرمان من النوم، والتهديد باختطاف والدته وباغتصاب نساء من أسرته.
وقد أشار إلى أنه كان مُجبراً على الاعتراف حتى عندما لم تكن لديه معلومات حقيقية، مما جعله يوقع على تصريحات زائفة أو مغلوطة. كما تحدث عن إيهامه بالقتل أو بالغرق إذا لم يوافق على التعاون، وهو ما دفعه إلى تقديم معلومات غير دقيقة.
وذكر أنه كان يشعر بالعار والتوتر نتيجة الاعترافات التي اضطر لتقديمها، وأنه تعاون مع المحققين فقط لأنه كان يائساً من وضعه، ولم يكن لديه أمل في الخلاص سوى بتقديم تلك الاعترافات، مشيراً إلى أن هذه الاعترافات كانت نتيجة مباشرة للأساليب القاسية التي تعرض لها على أيدي المحققين في المعتقل.
والخلاصة أنه ليس هذه التقارير الصحفية والحقوقية إشارة واحدة لجاسوس زرعته المخابرات الأميركية في صفوق «القاعدة» اسمه محمدو ولد صلاحي، كما يحاول بعض الموريتانيين هذه الأيام إيهام قرائه بذلك.. لكن هناك المعتقل محمدو وصلاحي الذي وصل إلى معتقل غوانتنامو بعد أن سلمته سلطات بلده إلى دولة أجنبية، إثر قرابة عام من اعتقاله في نواكشوط. وقد تعرّض في ذلك المعتقل لصنوف التعذيب الجسدي والنفسي، وتم إجباره على تقديم اعترافات زائفة منحته صفة «المتعاون»، لتكشف التحقيقات اللاحقة أنه كان برئياً من الاتهامات الموجهة إليه، وأن اعترافاته لم تكن سوى وسيلة للخلاص من أهوال التحقيق.
لكن رغم تلك الأهوال والآلام، فقد اتصف ولد صلاحي بقدرة هائلة على الاحتفاظ بروح إنسانية عالية وسمحة للغاية، عكستها كتاباته ومقابلاته، وهذا ما أثار دهشة الأميركيين الذين اشتروا ملايين النسخ من مذكراته. وكشأن الرويات التي تحقق رواجاً كبيراً، فقد وجدت «يوميات غوانتانامو» مَن يحولها إلى فيلم هولويدي ناجح، لكن لطالما كان أعداء النجاح أكثر من المبتهجين به، وبعض هؤلاء هم مَن يحاولون حالياً الخلط بين «متعاون» مع التحقيق وبين جاسوس مدسوس!