مائة يوم من الكلام تكفي..!

جمعة, 08/11/2024 - 16:44

تكمل حكومتنا الجديدة القديمة يومها المائة بعد التعيين أو التكليف. ولا شك أن هذا العدد من الأيام قليل على تحقيق شيء ملموس لكنه كاف لمعرفة المشاريع وحزر الإرادة المعبر عنها لإنجازها.

موروثنا يعترف بأن "الشوكه من سقرها امحده" و"الليله البظه تنشاف من الدحميس" والعلم الحديث يستطيع تحديد جنس الجنين بعد الشهر الثالث.
كل القواعد في صالح المائة يوم كمدة كافية لمعرفة ما ستقوم به الحكومة، لكن حكوماتنا غالبا لا تحترم القواعد، وأحيانا لا تحترم البرامج والمساطر، وما "الحرب على الفساد" إلا دليل -باعتراف الرئيس ووزيره الأول- على مخالفة البعض للقانون.

بنظرة أولى على ترتيب القطاعات الوزارية وتسمياتها نرى أنه لأول مرة في بلادنا يسبق قطاع ما قطاعات العدل والخارجية والدفاع والداخية المعروفة بكونها قطاعات السيادة وتتفق على ذلك دول العالم.

أعيدت هيكلة الكثير من القطاعات، وهو ما يحصل -إن كان لا بد منه- بعد انتخاب أي رئيس جديد لأن برنامجه قد يختلف عن برنامج سلفه، وقد تعاد الهيكلة بعد اعتراف صريح من الرئيس بفشل سياساته القطاعية السابقة، وجدير بالذكر أن تغيير تسميات القطاعات  مع غياب التفكير والتخطيط الجيديْن يؤدي إلى مزيد من ضعف الأداء وتدافع المسؤولية وهدر المال العام.

حكوماتنا في الواقع لا تأتي بجديد سوى الكلام وتبرير الإخفاق والفشل، وهذا ديندنها منذ نشأة الدولة الحديثة، وهو نهج الأخيرة -للأسف- بعد مائة يوم من العمل، وليست الوزارات المستحدثة إلا كلام من حديث فارغ، فهي مجرد حروف على شاشة غير براقة أو على لافتة غير لافتة كالاهتمام بأبناء الشهداء والموريتانيين في الخارج والإصلاح التربوي وتمكين الشباب والتحول الرقمي.
-فمَن لم يهتم بتحسين الظروف المعيشية للأحياء -والحي أولى- لن يهتم بالشهداء، وكان حري به أن يتذكر أنّ للأخلاق حدودا لا تسمح باستغلال من سقطوا في ساحة الشرف.
-وإن من لم يهتم بالموريتانيين في الداخل كاذب إن قال إنه يعير اهتماما للموريتانيين بالخارج.
-وإن من لم يهتم بظروف الدرس والمدرس فهو ساخر إن تحدث عن التربية.
-وإن من يعيّن وزراء لا تجربة لهم، وليسوا موظفين عموميين، ويهمل الشباب الموظفين فهو مفتر إن قال إنه سيمكّن الشباب.
مائة يوم تمر ولم نسمع غير الجعجعة، فلا الأسعار استقرت ولا مشاريع عظيمة انطلقت ولا فاسد واحد حوكِمَ.

أما عن التحول الرقمي فهو مصلح عائم لعل عيْنَ "شابٍّ" التقطته، فَلاكَهُ لِسانُه، فالتقطته أذنُ نافذٍ؛ فأنشِئت وزارةٌ كي نحاكي مشيةَ البلدِ المتقدم، ونحن في الواقع بعيدون عن التحول الرقمي بل مازلنا في مرحلة الالتقاط.
نعم .. مازلنا في مرحلة الالتقاط، والشاهد أن البعض مازال يرى الأموال العامة لقْطةً، يأخذها إلى حسابه لينتفع بها كما كان الإنسان القديم يلتقط الثمار وينتفع بها، إلا أن جدنا الإنسان الطبيعي كان يكتفي بحاجته ولا يدخر.

غريب -حقا- أن نقفز إلى التحول الرقمي بهذه السرعة دون المرور بمراحل التكنولوجيا أو الميكانيكا أو حتى الصيد والزراعة. نحن في عصر ما قبل التاريخ وحكوماتنا ل"وَلاية أو كشفٍ" أو استغراق سمع تجد مصطلحات من القرن الواحد والعشرين فتستغلها دون أن تخجل من واقع الناس.

ومن غرائب و"إبداعات" حكومتنا الجديدة القديمة أن يلتقي كبيرَا قطاعيْن لتعزيز التعاون بينهما، وينشر ذلك في وسائل الإعلام الرسمية، وكأنهما من بلدين مختفين، أو كأن برنامج الرئيس وتوجيهاته ولقاءه ومتابعة الوزير الأول ومكتبه وقاعة مجلس الوزراء لا تكفي ليتعاون كبار المسؤولين على الأداء بل لا بد أن يرى الشعب تبادلهم للزيارات المكتبية.

من حق الشعب على حكّامه أن يحققوا له التنمية بالتدرج، وليس بكلمات قافزة على الواقع، لا هي تطير به فتخرجه من جب التخلف، ولا هي تعْبُر به إلى بر الأمان.
وفي الحقيقة مائة يوم من الكلام تكفي.

الحسن ولد محمد الشيخ ولد خيمت .