دعا رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، رجال الأعمال الموريتانيين إلى تكاتف الجهود في إطار مبادرة خاصة يتم إطلاقها سريعا من أجل الاستثمار في القطاعات ذات الأولوية في تحقيق اكتفاء ذاتي لبلادنا، كالزراعة والتنمية الحيوانية والصيد والصناعة.
وجاءت هذه الدعوة خلال إشراف فخامته اليوم الخميس بالمركز الدولي للمؤتمرات في انواكشوط، على انطلاق لقاء للفاعلين الاقتصاديين في البلاد لتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وقال رئيس الجمهورية إنه أراد أن يلتقي برجال الأعمال في ظل هذه الظرفية الخاصة التي بدأت منذ سنتين بجائحة كورونا وما نتج عنها من تأثيرات صحية واقتصادية، والوضعية الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية التي زادت الوضعية العالمية صعوبة، هذا بالإضافة إلى الآثار السلبية للحالة الأمنية في منطقة الساحل.
وأشار فخامته إلى أن العالم لم يخرج حتى الآن من تبعات التأثيرات الكارثية لجائحة كوفيد-19 التي تسببت في ركود الاقتصاد العالمي وارتفاع المديونية في كل دول العالم، وتجفيف مصادر التمويل، وتراجع الاستثمارات الخارجية، وارتفاع الأسعار العالمية، وتكسير سلاسل التموين والتجارة الدولية، مشيرا إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية جاءت لتزيد الطين بلة وتعقد الأمور أكثر وتتسبب في ندرة كبيرة في المواد الأساسية والغذائية بشكل خاص، وفي المدخلات الصناعية وفي زيادرة كبيرة في أسعار المحروقات.
وقال سيادته إن هذه الأزمات كلها أصابت في الصميم وأعاقت الخطط الاقتصادية والتنموية لكل البلدان، مشيرا إلى أن الدول الكبرى التي لها إمكانيات هائلة تجد اليوم صعوبة كبيرة في مواجهة تأثيرات هذه الأزمات على معدلات النمو وفي مستويات العجز والمديونية وفي زيادة الأسعار.
وأكد سيادته أنه "في وضع كهذا، يجب أن نتصارح، فبلدنا بلد فقير، وإمكانياته وموارده الاقتصادية محدودة جدا وبنيته التحتية ناقصة وضعيفة"، فعلى سبيل المثال "في الأسابيع الماضية استوردت المركزية للاستيراد والتموين 100 ألف طن من القمح وصلت منها لحد الآن 75 ألف طن وبعد وصولها وجدنا صعوبة في تعبئتها وفي تخزينها وفي نقلها".
وأضاف أن "هذه الوضعية تعود في المقام الأول لعدم نجاعة سياساتنا العمومية، وعدم الاستغلال الأمثل لمواردنا"، مشيرا إلى أن "اعترافنا بواقعنا، لا يعني بأي حال من الأحوال استسلامنا له وقبولنا به، بل العكس، فيجب أن يكون المحفز الأساسي لنا للعبور ببلدنا إلى مصاف الدول النامية".
وقال رئيس الجمهورية إنه أراد من خلال هذا اللقاء أن يتحدث مع رجال الأعمال "عن أنجع السبل لتضافر جهود الدولة والقطاع الخاص الوطني، من أجل تحقيق هدف أول، هو تخفيف التأثيرات السلبية لهذه الأزمات على بلدنا وعلى مواطنينا، ومن أجل هدف ثان هو أخذ زمام المبادرة وبناء قدرات ذاتية تعزز من اكتفائنا الذاتي وقدراتنا مستقبلا على مواجهة الصدمات".
وأشار إلى أنه وعلى الرغم من التأثيرات السلبية لهذه الأزمات المتلاحقة، فقد "استطاعت الحكومة تعبئة موارد كبيرة جدا وتدخلت في أغلب الأحيان في الوقت المناسب، من خلال حزمة من الإجراءات لولاها لكانت الأوضاع وصلت لمستويات أصعب وأخطر مما وصلنا إليه".
وذكر فخامة رئيس الجمهورية أنه في الأيام الأولى من أزمة كورونا، أعطى سيادته أوامر للحكومة، من أجل تنفيذ خطة واسعة لمواجهة الجائحة وتأثيرها على المواطن بشكل عام، وبصفة خاصة مواجهة تأثيرها على الفئات الأكثر حاجة.
وأضاف أن من أهم الإجراءات التي تم القيام بها، تمويل برنامج واسع لاقتناء التجهيزات الصحية والأدوية الضرورية للتكفل بالمرضى كلف 12 مليار أوقية قديمة، وبرنامج واسع للتحويلات المالية شمل 396 ألف أسرة كلف ما يزيد على 744 مليون أوقية جديدة، كما تكفلت الدولة بفاتورة الماء والكهرباء للأسر الفقيرة في نواكشوط لمدة وجيزة جدا كانت شهرين وفي الوسط الريفي لسنة كاملة ووصلت تكلفة هذه الفاتورة 310 ملايين أوقية جديدة واستفادت منها 2055 تجمعا قرويا و192 ألف أسرة في الوسط الحضري.
وأشار رئيس الجمهورية إلى أن هذه الإجراءات شملت كذلك إعفاءات ضريبية لبعض الأنشطة الاقتصادية أساسا في القطاع غير المصنف ولبعض المواد الغذائية، وقد بلغت تكلفة هذه الإعفاءات 586 مليون أوقية جديدة، كما تم دعم بعض الشرائح الهشة من خلال مضاعفة تعويضات التقاعد والتكفل بمرضى السرطان وبمرضى الفشل الكلوي، فضلا عن صرف إعانات شهرية تساعد هذه الفئة في تنقلها إلى المستشفيات والمراكز الصحية والتكفل بالتأمين الصحي ل 620 ألف شخص، وقد وصلت فاتورة هذه النشاطات إلى 7 مليارات أوقية قديمة.
وأضاف أن هذه التدخلات شملت كذلك برمجة أنشطة دعم بقيمة 31 مليار أوقية قديمة على ميزانية صندوق كورونا برسم السنة المالية 2022، وخصصت علاوة شهرية لمساعدة الخريجين من الجامعات ومعاهد التكوين المهني لمدة ستة أشهر بعد تخرجهم، وقد بلغت تكلفتها السنوية مليارين و500 مليون أوقية قديمة، كما تمت المحافظة على تموين البلد بالمواد الأساسية والطبية طيلة مراحل الجائحة.
وأوضح فخامة رئيس الجمهورية أن الحكومة اتخذت أيضا إجراءات عديدة ومكلفةلمواجهة آثار أزمة ارتفاع الأسعار وخصوصا بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، ومن أهم هذه الإجراءات، إنشاء المركزية العمومية لشراء المواد الغذائية عند الحاجة، وقد اقتنت هذه المركزية لحد الساعة لصالح البرامج الاجتماعية التي تشمل التموين وعملية رمضان والتوزيعات المجانية وبرنامج التغذية، بما قيمته 48 مليار أوقية قديمة تتكلف الدولة منها بشكل نهائي ب 31 مليار أوقية قديمة.
وأضاف أن الدولة اقتنت لصالح برنامج التنمية الزراعية والحيوانية من خلال الأعلاف والأسمدة ما قيمته 36 مليار أوقية قديمة تتحمل ميزانية الدولة منها بشكل نهائي 18 مليار أوقية قديمة.
وأبرز رئيس الجمهورية أن الدولة تحافظ لحد الآن على أسعار المحروقات على الرغم من الارتفاع المذهل للأسعار وخاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، منبها إلى أن الفاتورة السنوية التي ستتكلفها خزينة الدولة في حال بقي ثمن المحروقات على هذا المستوى، ستصل في نهاية السنة إلى 73 مليار أوقية قديمة منها 27 لدعم الغاز المنزلي.
وأشار رئيس الجمهورية إلى أنه في حال قمنا بجمع ما تكلفته خزينة الدولة لمواجهة الآثار السلبية للأزمات خلال السنتين الأخيرتين وما ستتكلفه في بقية السنة الجارية، فسنجده يصل إلى أكثر من 280 مليار أوقية قديمة.
وأضاف أن هذه الموارد تمت تعبئتها بترشيد الإنفاق والحد من تبديد الموارد المالية للدولة، مشيرا إلى أن "هذا لا يعني أنه تم القضاء على الفساد ولا على تبديد الموارد المالية للدولة، الذي مازال تحديا مطروحا، سنواصل مواجهته بكل تصميم وبكل حزم".
وأشار فخامته في هذا الإطار، إلى الإجراءات التي تم القيام بها مؤخرا من أجل تفعيل المفتشية العامة للدولة، حيث تمت مراجعة النصوص المنظمة لعملها لإعطائها كل الصلاحيات الضرورية وتم تعزيز مواردها البشرية، وسيتم التعامل المناسب مع تقاريرها أولا بأول".
ونبه رئيس الجمهورية إلى أن إصلاح الإدارة وتقريبها من المواطن، يشكل أولوية بالنسبة له، حيث تم إعداد رؤية مفصلة وألزمت الحكومة بتنفيذها.
وقال رئيس الجمهورية إن هذا اللقاء، دليل على الأولوية التي تمنحها الدولة للقطاع الخاص الذي يتعدد الدور المنوط به من خلق لفرص العمل وإنتاج لقيمة مضافة وتطوير وتنويع للاقتصاد الوطني وزيادة للنمو.
وأشار إلى أن الدولة واعية للدور المحوري للقطاع الخاص، باعتباره قاطرة التطور الاقتصادي، منبها إلى أن الدولة تقوم بجهود معتبرة لدعم وترقية هذا القطاع، من خلال تشجيع الاستثمار ومراجعة مدونة الاستثمار وإنشاء وكالة ترقية الاستثمارات ومراجعة مدونة الصفقات العمومية وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ودمج جل الأنشطة الاقتصادية وتبسيط الإجراءات الإدارية ووضع القواعد المؤسسية لحكامة قوية وفعالة.
وأكد رئيس الجمهورية على ضرورة قيام القطاع الخاص بالدور المنوط به كرافعة للنمو الاقتصادي، خصوصا في ظل هذه الظروف.
وأشار إلى أنه "على رجال الأعمال الموردين للمواد الأساسية، أن يعوا جيدا حساسية الظرفية ومسؤوليتهم في تموين بلدهم بالمواد الأساسية، فالمطلوب ليس أن يخسروا بل المطلوب أن يفهموا أن هامش الربح في وضعية عادية ليس كما هو في وضعية غير عادية"، مطالبا إياهم "بالاستمرار في تزويد البلد بكل ما يحتاجه من مواد وبأقل هامش ربح".
ووجه رئيس الجمهورية دعوة لكل رجال أعمالنا من أجل أن تتكاتف جهودهم في إطار مبادرة خاصة يتم إطلاقها سريعا من أجل الاستثمار في القطاعات ذات الأولوية في تحقيق اكتفاء ذاتي لبلادنا، كالزراعة والتنمية الحيوانية والصيد والصناعة.
وقال إنه يأمل أن يرى استثمارات كبيرة في مصانع للألبان واللحوم والجلود وأعلاف الحيوان والمزارع وحظائر تحسين السلالات، ومصانع كبيرة لتثمين ثروتنا السمكية وتعظيم قيمتها المضافة قبل تصديرها كمواد خام.
وأوضح رئيس الجمهورية أن مشاريع كهذه، إضافة إلى دورها في تحقيق أمننا الغذائي، ستسمح بخلق آلاف فرص العمل، منبها إلى أن الحكومة جاهزة لمواكبة رجال الأعمال ولدعمهم وحمايتهم، كما أنها جاهزة لتسهيل الإجراءات الإدارية والإعفاءات الضريبية الضرورية وتكوين الكادر البشري وإنشاء البنى التحتية التي تمكنهم من العمل.
وشكر فخامة رئيس الجمهورية رجال الأعمال على المبادرات التي تم الإعلان عنها، مؤكدا على ضرورة دخول هذه المشاريع حيز التنفيذ في أسرع وقت ممكن، وأن تكون عصرية التصميم ومستدامة وعالية الإنتاجية.