أعلنت الجزائر السبت استدعاء سفيرها في مدريد للاحتجاج على "انقلاب مفاجئ" من جانب إسبانيا التي أعربت عن دعمها لمقترح المغرب القاضي بمنح حكم ذاتي للصحراء الغربية، بدل اجراء استفتاء لتقرير المصير كما تطالب بوليساريو المدعومة من الجزائر.
وتميزت العلاقات الجزائرية الإسبانية بالهدوء منذ عقود، خاصة أن مدريد تعتمد بشكل كبير على الغاز الجزائري، ما جعلها بمنأى عن أزمة الغاز العالمية الناتجة عن غزو روسيا لأوكرانيا.
وجاء في بيان لوزارة الخارجية الجزائرية نشرته وسائل الإعلام الحكومية، أن السلطات الجزائرية "استغربت الانقلاب المفاجئ والتحول في موقف السلطة الإدارية السابقة بالصحراء الغربية، وعليه قررت الجزائر استدعاء سفيرها في مدريد فورا للتشاور".
وأعلنت إسبانيا المستعمر السابق للصحراء الغربية، الجمعة تغييرًا جذريًا في موقفها في هذا الملف الحساس، من خلال دعمها موقف الرباط علنًا وللمرة الأولى، فيما كانت دائمًا تتبنى موقفًا حياديًا.
وصرح وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس الجمعة، أمام الصحافيين في برشلونة أن إسبانيا "تعتبر أن مبادرة الحكم الذاتي المُقَدّمة في 2007 (من جانب المغرب) هي الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل هذا النزاع" بين الرباط وجبهة بوليساريو.
وسبق تصريح ألباريس إعلان الحكومة الاسبانية عن "مرحلة جديدة في العلاقة مع المغرب تقوم على الاحترام المتبادل واحترام الاتفاقات وغياب الإجراءات الأحادية والشفافية والتواصل الدائم".
وجاء الاعلان بعد بيان للديوان الملكي المغربي أشار فيه إلى رسالة وصلت من رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز اعتبر فيها أن مبادرة "الحكم الذاتي" المغربية المقترحة للإقليم المتنازع عليه "بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف".
وأشادت الرباط "عاليا بالمواقف الإيجابية" و"الالتزامات البناءة" لاسبانيا إزاء مقترح المملكة منح حكم ذاتي لحل نزاع الصحراء الغربية، ما من شأنه تحسين العلاقات المتأزمة بين الجارين.
سانشيز وألباريس في المغرب قريبًا
ونشب الخلاف الدبلوماسي الكبير بين مدريد والرباط في نيسان/أبريل 2021 بسبب استقبال إسبانيا زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي للعلاج بعد إصابته بفيروس كوفيد-19.
وتلى ذلك في أيار/مايو الماضي وصول أعداد كبيرة من المهاجرين المغاربة إلى جيب سبتة الإسباني الواقع على الساحل الشمالي للمغرب.
وقد استدعى المغرب سفيرته في إسبانيا للتشاور، ولم تعد إلى مدريد حتى الآن.
ومن المقرر أن يجري سانشيز زيارة إلى المغرب، وفق مدريد التي لم تحدد موعدها، كما سيزور وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس الرباط "قبل نهاية الشهر الجاري" في إطار تطبيع العلاقات بين البلدين.
لكنّ هذا التحول من جانب سانشيز يمكن أيضًا أن يؤدي إلى توترات قوية داخل حكومته مع حلفائه من اليسار الراديكالي "بوديموس" المؤيدين لحق الصحراويين في تقرير المصير.
وكتبت وزيرة العمل الإسبانية يولاندا دياز ممثلة بوديموس على تويتر إن "أي حل للنزاع (في الصحراء الغربية) يجب أن يتم من خلال احترام الشعب الصحراوي وإرادته الديموقراطية".
وبحسب أستاذ الدراسات العربية والإسلامية في جامعة مدريد الحرّة برنابي لوبيز ، فإن هذه البادرة الإسبانية بشأن الصحراء تهدف بشكل خاص إلى الحصول من الرباط على التحكّم في تدفقات المهاجرين. وذلك من أجل "تضييق الخناق قليلاً وأن يكون هناك مزيد من الرقابة على الحدود وليس هذا الغياب المتعمد لأي سيطرة على الوضع من جانب المغرب".
"يتناقض مع الشرعية الدولية"
من جهتها عبّرت جبهة بوليساريو في بيان السبت عن "استغرابها" موقف الحكومة الاسبانية الذي "يتناقض بصفة مطلقة مع الشرعية الدولية"، مشيرةً إلى أن "الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي ومحكمة العدل الدولية ومحكمة العدل الأوروبية وكل المنظمات الإقليمية والقارية لا يعترفون، جميعهم، بأي سيادة للمغرب على الصحراء الغربية".
ويدور نزاع منذ عقود بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر حول الصحراء الغربية، وهي مستعمرة إسبانية سابقة تصنفها الأمم المتحدة بين "الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي".
تقترح الرباط التي تسيطر على ما يقرب من 80 بالمئة من هذه المنطقة، منحها حكما ذاتيا تحت سيادتها، بينما تدعو البوليساريو إلى استفتاء لتقرير المصير.
وزودت الجزائر إسبانيا بأكثر من 40% من الغاز الطبيعي الذي استوردته عام 2021، والذي يصل معظمه إليها عبر خط أنابيب الغاز العابر للبحر المتوسط "ميدغاز"، بطاقة 10 مليارات متر مكعب في السنة. ويزود هذا الأنبوب البرتغال أيضا.
وحتى تشرين الأول/أكتوبر الماضي، كانت اسبانيا والبرتغال تتلقيان جزءًا من الغاز الجزائري عبر خط أنابيب يعبر المغرب لكن الجزائر توقفت عن استخدامه بعد قطع العلاقات مع الرباط في آب/اغسطس.
AFP