اكتسب قطاع العملات الرقمية زخمًا شديدًا، وهذا ما يكشف أن العالم يتجه نحو الرقمنة بشكل متزايد. مع ذلك، لا تزال وجهة النظر السائدة بشأن هذا القطاع مرتبطة في الغالب بتقلب سعر "بيتكوين" (Bitcoin)، العملة الرقمية الأكثر شيوعًا.
في تقرير نشره موقع "مودرن دبلوماسي" (Moderndiplomacy) الأميركي، قال الكاتب سيد زين عباس رضوي إنه مع تزايد عدد الراغبين في الاستثمار في هذه الفئة من الأصول، فإنه لا بد من اكتساب معارف أساسية بشأن هذا المجال الذي يتسم باللامركزية والتقلب الشديد.
ما تقنية البلوكشين؟ وما التمويل اللامركزي بالضبط؟
غالبية المستثمرين لا يزالون في حيرة من أمرهم بشأن الفرق بين تقنية "بلوكشين" (Blockchain) والتمويل اللامركزي. ومع أن المصطلحين مترابطان، إلا أن نقطة الاختلاف الرئيسية بينهما تكمن في نطاق التطبيق في العالم الحقيقي.
تعتبر تقنية البلوكشين نظاما يعمل كدفتر أستاذ رقمي يُسهّل المعاملات الموزعة عبر شبكة متنوعة من أجهزة الحاسوب.
كما أنها تشكل نظام تشفير رقميا لتسجيل المعلومات المكررة عبر شبكة موسعة من المستحيل اختراق البيانات فيها أو تغييرها أو إتلافها أثناء معالجتها أو تخزينها. وتُستخدم هذه التقنية على نطاق واسع في الخدمات اللوجستية وخدمات الأصول المالية التشفيرية.
أما التمويل اللامركزي فيُستخدم في مجموعة معقدة من المنتجات الرقمية، من العملات الرقمية إلى الرموز غير قابلة للاستبدال. ويتضمن التمويل اللامركزي هيكلًا قائما على البلوكشين لتشغيل شبكة ضخمة من دفاتر الأستاذ المشتركة. ومع غياب هيئة مركزية للتحقق من المعاملات وإدارة الإمداد، يُستخدم مجال خوارزميات معقدة لإجراء عملية التحقق والتخزين بين المستخدمين أنفسهم. ويعتبر التمويل اللامركزي أحد الابتكارات المالية والتكنولوجية الواعدة في مجال الخدمات المالية.
ما عملة البيتكوين؟ كيف تختلف عن تقنية البلوكشين؟
من أكثر المفاهيم الخاطئة شيوعًا في أوساط مستثمري العملات الرقمية المبتدئين، الاعتقاد أن البلوكشين والبيتكوين هما الشيء نفسه. البلوكشين تقنية تستخدمها الكثير من الصناعات المختلفة مثل الصناعة المالية بما في ذلك البيتكوين، في حين أن البيتكوين عملة رقمية يتم تبادلها كرمز رقمي عبر نظام من دفاتر الأستاذ المشتركة تسمى الكتل. وأنشئت هذه العملة في أعقاب الأزمة المالية لعام 2008 من قبل كيان مجهول تحت الاسم المستعار "ساتوشي ناكاموتو". ويقع تداول هذه العملة الرقمية عبر منصة معقدة منظمة بشكل متماسك، وهي نظام دفتر الأستاذ الموزع، مما يجعل من المستحيل التحكم في هذه العملة.
للتحقق من المعاملات، يستخدم "معدنو البيتكوين" برامج حاسوب متطوّرة لحل المعادلات المعقدة لإضافة كتل من المعاملات إلى البلوكشين الخاصة بالبيتكوين. وهم يكسبون حوالي 6.25 وحدات البيتكوين. وعملة البيتكوين معرّضة بشدة للمضاربة التي تغذي في النهاية تقلبات السعر التي تثير قلق المستثمرين.
هل من المخاطرة الاستثمار في البيتكوين؟
عندما بدأ تداول البيتكوين لأول مرة في عام 2009، كانت تقلبات الأسعار محدودةً. خلال العام الماضي، تجاوزت القيمة السوقية لعملة البيتكوين حاجز تريليوني دولار، مما جعلها أول كيان غير مؤسسي يسجل مثل هذه القيمة المرتفعة. وقد بدأت الحكومات في تبني هذه العملة الرقمية كوسيلة رسمية لتبادل السلع، وحتى البنوك الاستثمارية الشهيرة وصناديق التحوط باتت تقبل الدفع بواسطة العملات رقمية.
رغم تراجع قيمتها بنسبة 40% عن السعر القياسي 69 ألف دولار الذي بلغته خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فإن عملة البيتكوين يتم تداولها حاليًا بـ42 ألف دولار، وهو أكثر بنسبة 500% عما كانت عليه قيمتها منذ نهاية عام 2019.
عند مقارنة العوائد المعدلة حسب المخاطر، تظهر عملة البيتكوين أداءً متفوقًا مقارنة بالأصول الأخرى. فعلى سبيل المثال، عائد البيتكوين المعدل حسب المخاطر منذ شهر سبتمبر/أيلول 2020 أكثر من ضعف أداء مؤشر "إس آند بي 500" (S&P 500). سواء في بداية عام 2015 أو بداية 2020، تمكنت عملة البيتكوين من التغلب على توجهات الاستثمار التقليدية.
تمكن المستثمرون من كسب عائدات مهمة، رغم تراجع قيمة هذه العملة في السوق سواء عام 2017 عندما هبطت قيمتها بنسبة 80%، أو خلال 2021 عندما أطلقت الصين حملة ضد العملات الرقمية دفعت السوق إلى التوقف عن استخدامها في المبادلات التجارية.
ما الإستراتيجية المثلى للاستثمار في مجال العملات الرقمية؟ ومتى يجب تنفيذها؟
كان عام 2021 أكثر الأعوام اضطرابًا في عالم العملات الرقمية. فقد اكتسبت الرموز غير القابلة للاستبدال شعبيةً أكبر، بينما تراجعت قيمة مجموعة كبيرة من العملات الرقمية إلى أكثر من النصف. ومن المحتمل أن تتغيّر القواعد الديناميكية لهذا السوق خلال 2022.
ذكر الكاتب أنه بينما يستعد الاحتياطي الفدرالي الأميركي لفتح النقاشات حول السندات ورفع أسعار الفائدة، من المتوقع أن تتراجع قيمة العملات الرقمية -وخاصة عملة البيتكوين- في الأشهر التالية. وستظل العملات الرقمية تحت الضغط، في حين يقلل الاحتياطي الفدرالي من ضخ السيولة. ومن المنتظر أن تتضاءل شعبيتها مع تشديد اللوائح التنظيمية.
ينصح الكاتب بالانتظار حتى نهاية العام قبل الاستثمار في البيتكوين لأن سعرها قد يتراجع إلى حدود 20 ألف دولار بحلول ذلك الوقت. أما إذا كنت تبحث عن خيارات أوسع، فينبغي في هذه الحالة الاستثمار في البيتكوين وغيرها من العملات الرقمية مثل "إيثريوم" (Ethereum) و"سولانا"(Solana) بشكل متساوي. ونظرا لأن اعتمادها في المبادلات التجارية ما زال محدودًا مقارنةً بعملة البيتكوين، فإن هذه العملات الرقمية من المحتمل أن تشهد نموا نسبيا دون التعرض لتقلبات حادة في الأسعار. فعلى سبيل المثال، يتم تداول عملة إيثريوم في الوقت الحالي بحوالي 3 آلاف دولار للوحدة.
كما يوصي الكاتب باستثمار بعض الأموال في "ميتافيرس" (Metaverse) خاصة الرموز غير قابلة للاستبدال التي تتوفر على معظم منصات التشفير وحققت أرباحا ضخمة. وسواء كنت حديث العهد بالاستثمار في هذه الفئة من الأصول، أو تبحث فقط عن تنويع محفظتك الاستثمارية، عليك أن تكون مستعدا للمخاطرة على المدى الطويل ومراقبة لوائح السوق عن كثب لجني مكاسب ملموسة.