قال الله تعالى: “علم بالقلم”.
الحديث عن قلم الرصاص و الممحاة حديث ذو شجون يوقظ فينا – نحن جيل الآباء – ذكرى أدوات صديقة رافقتنا منذ الصغر، وهي اليوم على وشك الاختفاء. من كان يتخيل قبل 40 عامًا حياة بلا قلم رصاص و ممحاة؟ من كان يتصور كتابة نص دون استخدام قلم رصاص خشبي وممحاة؟ هكذا تساءل أخي وصديقي إبراهيم فقيري، سفير السودان في قطر 2010 أثناء سهر وسمر. قال لي إنه تفاجأ ذات يوم عندما اكتشف أن أحد زملائنا – سفير دولة عربية في 35 من عمره – لا يعرف الكتابة أو يكاد، لأنه تلقى كل تعليمه القرآني والمدرسي فقط عبر لوحة المفاتيح وشاشة الهاتف ونقرة الفأرة في الحاسوب.
تذكرت هذا الحديث البارحة عندما كنت أزور أحد الإخوة وطلبت قلما لأكتب رسالة، وما وجدته. لاحظنا أن المنزل العامر بالأفراد والأثاث – الحمد لله – ليس فيه قلما واحدا. واضطررنا لشرائه من المحل بجوارنا. ومن هنا شعرت بأهمية فتح نقاش حول هذا الموضوع.
شخصيا ما زلت أستخدم القلم على نطاق واسع وحصريًا في كتاباتي وعملي وجميع نصوصي. لم أتخلّ يوما واحدا عن قلمي الرصاص، ولم أتركه يبتعد عني رغم وجود الكمبيوتر. تعودت على الكتابة بالقلم منذ الصغر، وسأبقى وفيا له. ولن أقطع حبل المودة والمحبة معه مهما عصفت به الأيام. ما زلت حتى الآن أكتب نصوصي بخط اليد قبل نسخها على الكمبيوتر أو الهاتف النقال. وهذا متعب بالتأكيد ويستغرق وقتا طويلا، لكنه يسمح لي بإعادة قراءة نفسي وتصحيح أخطائي وتحسين كتابتي؛ وهي ثلاث عمليات مهددة بالانقراض اليوم.
أعلم أن الكمبيوتر و الهواتف المحمولة تنطوي على مصححين آليين. وأعلم أن الذكاء الجديد بدأ الكتابة بالصوت، حيث تكتب فقط بضعة أحرف، و يقوم المصحح التلقائي لجهاز – الأيفون iPhone – بالباقي. لا خوف إذن من الأخطاء: أنت تكتب، والآلة تصحح على الفور. وهناك ما هو أبعد وأخطر من ذلك، حيث أن كتابة الرسائل النصية وتصحيحها آليا أصبحت اليوم عملية قديمة ومتجاوزة منذ أن ظهر نظام – الدردشة ChatGPT – الذي يكتب كل شيء.
ومع هذه المغريات والاختصارات والطرق السريعة لم يعد الشباب، على غرار زميلنا السفير، بحاجة إلى معرفة الكتابة والنحو والصرف والإملاء؛ فهجروا القلم! وباتوا ينظرون باستغراب إلى من بيده قلم رصاص، و ممحاة و مبراة، وحتى قلم حبر جاف، كأنه آت من كوكب بعيد. ينطوي هذا الأمر على مخاطر كثيرة، ليس أقلها التبعية إزاء لوحة المفاتيح والكسل الفكري والقطيعة بين الأجيال.
وبالنظر إلى ذلك، أردت بهذا المنشور فتح نقاش هادئ ومسؤول حول الموضوع قبل أن نتحول جميعا إلى “روبوتات”. علموا أولادكم الكتابة بالقلم. اكتبوا، ثم اكتبوا، ثم اكتبوا أمامهم أي شيء، لا لشيء … فقط حتى لا يموت القلم في البيوت !
تنويه: مع الانتشار المذهل والسريع للهواتف المحمولة، أصبح هجران القلم يهدد المجتمع بأكمله.