"إنها محاولة فاشلة للانقلاب وتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي وسيتم ملاحقتهم جزائيا". بهذه اللهجة الصارمة رد الرئيس التونسي قيس سعيّد الأربعاء على اجتماع، عقده نواب في البرلمان عبر الإنترنت بنفس اليوم، في تحد للإجراءات الاستثنائية التي فرضها سعيد منذ يوليو/تموز 2021، ليتولى بعد ذلك السلطة التنفيذية والتشريعية.
واعتبر الرئيس التونسي أن هذا اللقاء الافتراضي: "انقلاب لا شرعية له على الإطلاق"، متهما النواب المشاركين فيه بأنهم "يتلاعبون بمؤسسات الدولة". وأعلن أنه طلب من وزيرة العدل فتح تحقيق في هذا الاجتماع.
ولم تتأخر الأطراف السياسية في التعليق على قرارسعيّد، حيث اعتبر المعارضون للإجراءات الاستثنائية التي فرضها لحد الآن، أن حل البرلمان غير دستوري. أما المؤيدون للرئيس، فقد رحبوا بالقرار ورأوا أنه جاء متأخرا في وقت ينبغي فيه تسريع خطواته السياسية نحو مرحلة جديدة.
"العودة إلى الشرعية"
وعقد أكثر من 120 نائبا في مجلس النواب، الذي يضم رئاسة البرلمان وممثلي الأحزاب السياسية ودوره سن القوانين، اجتماعا افتراضيا الأربعاء في تحد للتدابير الاستثنائية. وصوت 116 منهم بنعم وبدون رفض أو تحفظ (البرلمان يضم 217 نائبا) على مشروع قانون يلغي هذه التدابير.
ونفى النواب المشاركون في الجلسة، حسب مراسل فرانس24 نورالدين المباركي، أن تكون خطوتهم "سعيا لخلق شرعية جديدة وأكدوا أن هدفها هو العودة إلى الشرعية التي انقلب عليها الرئيس قيس سعيّد"، وفق قولهم. ودعا النواب في مداخلاتهم إلى إجراء حوار وطني وانتخابات نيابية ورئاسية للخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وترأس الجلسة طارق الفتيتي النائب الثاني لرئيس البرلمان، وينتمي المشاركون فيها إلى كتل برلمانية مختلفة بينها حركة النهضة، تحيا تونس، ائتلاف الكرامة وقلب تونس. وكانت الجلسة انطلقت "وسط جدل وتباين حول شرعيتها وقانونيتها وتداعيتها على الوضع العام في البلاد" حسب المباركي.
وكان سعيّد أعلن نهاية العام 2021 عن رزنامة سياسية تتضمن استشارة وطنية إلكترونية بدأت مطلع العام الحالي وانتهت في 20 آذار/مارس، وشارك فيها حوالي نصف مليون تونسي، تضمنت الإجابة عن أسئلة تتعلق بالنظام السياسي في البلاد وعن مواضيع أخرى تشمل الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
ومن المنتظر أن تجمع لجنة مقترحات المواطنين وتعد الخطوط العريضة لاستفتاء على الدستور في 25 تموز/يوليو القادم. وتنظم في 17 كانون الثاني/ديسمبر 2022 انتخابات نيابية جديدة تزامنا مع ذكرى ثورة 2011.
دستورية قرار حل البرلمان؟
ينص الفصل 72 من دستور 2014 في تونس على أن "رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، ورمز وحدتها، يضمن استقلالها واستمراريتها، ويسهر على احترام الدستور". وهي المادة التي اعتمد عليها الرئيس قيس سعيّد في اتخاذ خطوة حل البرلمان.
وإن كان لا يوجد ما يشير حرفيا إلى أن الرئيس بإمكانه حل المؤسسة التشريعية، إلا أن تأويل هذا الفصل، "يخول للرئيس القيام بذلك"، حسب تفسير الباحث في القانون الدستوري التونسي رابح الخرايفي، الذي يوضح لفرانس24 أن القرار "ليس تطبيقا حرفيا للفصل 72 من الدستور بل قراءة تستند على نظرية الدفاع الشرعي قياسا على نظرية الدفاع الشرعي لدى الأفراد والأشخاص، وهو مبرر لارتكاب أفعال إجرامية للدفاع عن النفس والمال والحرمة، فالدولة أيضا لها الحق في ذلك بالاستناد إلى هذه النظرية، إلى جانب نظرية الضرورة".
وبناء على ذلك، يعتقد الخرايفي أنه بإمكان رئيس الجمهورية التونسية حل البرلمان. ويضيف في شروحاته أنه "بالرغم من أنه لم يرد حرفيا في الدستور ما يخول له ذلك، إلا أنه ينص على أن رئيس الدولة هو الذي يحفظ وحدة الدولة استمرارها واستقرارها. وفي تأويل لجلسة النواب التي عقدت افتراضيا هو تهديد لوحدة الدولة واستقرارها، ولذلك فالدستور يخول للرئيس دفع الخطر الذي يمكن أن يرتبه مجلس نواب الشعب بالإعلان عن حكومة جديدة وسحب الثقة من الحكومة الحالية، وهنا نصبح أمام حكومتين، حكومة قانونية وحكومة غير قانونية، وتشريعين: تشريع نافذ وتشريع غير نافذ. وهذا يقسم الدولة. واعتبر رئيس الجمهورية هذا اعتداء على أمن الدولة الداخلي الذي يجرمه القانون الجزائي التونسي".
ومع هذا الوضع الجديد الذي يفرض فيه السؤال الدستوري نفسه مجددا. يفضل الباحث التونسي كمال بن يونس، ورئيس منتدى ابن رشد للدراسات الاستراتيجية والدولية، العودة إلى الفترة السابقة من مرحلة "التحولات الاستثنائية" للتأكيد على أن ما يبرز اليوم من اختلافات حول قراءة الدستور هو امتداد لما حدث في السابق.
وفي هذا السياق، يعتبر بن يونس في تصريح لفرانس24 أن "منذ 25 يوليو/تموز 2021 صدرت مواقف تبرر الطرح الذي قدمه قيس سعيد للفصل 80، لكن أغلب القراءات عارضته لأن هذا الفصل ينص بوضوح على أنه في حالة تفعيل الفصل 80 يبقى البرلمان في حالة انعقاد دائم، ولا يمكن حله ولا الدعوة للانتخابات في تلك الفترة، كما تبقى الحكومة تباشر مهامها." قبل أن يضيف أن "ما حصل اليوم هو امتداد للاختلافات الموجودة".
وبالنسبة لبن يونس، "حسب الدستور التونسي لا يمكن للرئيس حل البرلمان إلا في حالة واحدة. وهو أن يعرض حكومتين ولا تتم المصادقة عليهما، فيحل البرلمان ويدعو إلى انتخابات تجرى في غضون ثلاثة أشهر. لذلك لا يمكن حل البرلمان الآن، حسب أغلب القراءات الدستورية".
افرانس 24