لا يهمني موضوع التسريبات، لأن أصحابها لو فكروا قليلا لأدركوا أن لا فائدة ترجى منها سوى الضرر والإضرار بالساحة السياسية. ما الفائدة منها ونحن نعلم أننا جميعا لو وقفنا أمام الملأ وتكلمنا مباشرة و بوضوح ما صدّقنا من الناس إلا قليلا؟ إذن، ما الفائدة من تسريب كلام عبر تسجيلات رديئة الصوت و مشوّهة الأصداء بفعل الرياح و ضجيج حركة المرور؟ لا فائدة قطعًا ترجى من هذا النوع من النشاط. المهم والأساسي بالنسبة لي هو تحليل الظاهرة نفسها والتي تقود برأيي إلى سؤال مهم يتعلق بالحاضر و المستقبل •• ما هو مستقبل العمل السياسي في بلادنا في ظل هذه الحروب الكلامية والسقوط الأخلاقي؟
إننا ندرك جميعا أن السياسة شأن أبدي فينا و في العالم كله. يمكن للحكومات أن تتغير و القيادات و الأحزاب و الرجال و الموارد و التكتيكات و المناخ و التكنولوجيا، والظروف.. لكن معركة السياسة لا تتوقف إلى الأبد.. نحن اليوم نعيش في عصر "خلخلة" قوية ناجمة عن العديد من العوامل مثل: اضطرابات عالمية بسبب الاختلالات الملحوظة في التوازنات العالمية، و تحولات متسارعة داخلية في البنية الاجتماعية، و عواصف العولمة المتوحشة والتحديث العشوائي، و ثورات الاتصال والتكنولوجيا، و ظهور موارد طبيعية جديدة (الغاز. البترول)، و رهانات جيوسياسية ضاغطة من ضمنها الساحل والصحراء، وتغير المناخ، إلخ...
هذه العناوين وغيرها تجعلني أتصور بأن الحالة المحلية والإقليمية القادمة ستكون بحاجة إلى سمو "العقل" و"الحكمة" و"الترفع" أكثر من أي وقت مضى. لابد أن نجمع بين القلوب والعقول، وبين التنافس والتعاون، و التمايز و التلاحم. وإلاّ فإن الأحزاب ستختفي، ويختفي معها القادة والخطابات السياسية والأنشطة الإعلامية الظاهرة. وشيئا فشيئا تخلو الساحة "الواقعية" و تخبو جذوة "الميادين" من مظاهر الحياة "المبرمجة" و "المسجلة " طبقا لضوابط العقل والقانون. وتبقى الهيمنة مطلقا لسياسة "الظل".. سياسة بلا أحزاب ولا قادة ولا قوانين، وإعلام افتراضي و حروب كلامية .. وقد بدأ الأمر يمدّ فينا رجليه دون أن ينتبه له أحد. ألا ترون أننا منذ أكثر من عام لم نسمع عن اجتماع مهم لأي حزب كان ولا جولة في الداخل ولا نشاط دسِم ولا مهرجان على أرض الواقع؟ السياسة "المنتظمة" بدأت تخضع وتستسلم لسياسة "الظل" و هيمنة "هواتف الدمار الشامل". أدري أنّ ثورة الاتصال شر لا بد منه، ولكن حتمية سيطرتها على العقل والنقل ليست من الضرورات المكتوبة.
ولذا أسأل مراكز البحوث والدراسات: العمل السياسي .. إلى أين؟
وفقنا الله لما فيه مصلحة البلاد والعباد.