وسط حالة من الحزن الشديد، احتشد آلاف السودانيين في مدينة أم درمان اليوم الجمعة للمشاركة في جنازة الصادق المهدي، آخر رئيس وزراء منتخب للبلاد، والذي توفي بفيروس كورونا عن عمر يناهز 84 عاما. واتشح المشيعون باللون التقليدي للحداد، وهو اللون الأبيض في السودان، وأخفى كثيرون وجوههم خلف الكمامات.
طفرت الدموع في العيون ولوحت الأيادي بالعلم الوطني قبل صلاة الجنازة على السياسي الذي تولى رئاسة الوزراء مرتين وظل شخصية محورية في الحياة السياسية والروحية لما يربو على خمسين عاما.
أيقونة التسامح
قال أحد المشيعين يدعى عبد الرحمن الزين لتلفزيون السودان وهو يغالب الدموع "رحل اليوم أيقونة التسامح في السودان.. رحل اليوم رمز للجهاد المدني في السودان، رحل اليوم ذلك الفارس المغوار... الرجل الذي كانت تلتقي عنده كل القوى السياسية في السودان ليجد بينها توافقا".
وتنقلت أطقم الضيافة وسط الحشود التي تجمعت أمام الضريح ذي القبة الذي سيرقد فيه جثمان الصادق المهدي، ووزعت مطهرات الأيدي على المشيعين في تدبير احترازي ضد مرض كوفيد-19، رغم عدم وجود مؤشرات تذكر على الالتزام بإرشادات التباعد الاجتماعي.
ويحث حزب الأمة الذي يرأسه المهدي المشيعين منذ أمس الخميس على مراعاة إجراءات الوقاية الصحية.
وأصيب المهدي، الذي تلقى تعليمه في جامعة أوكسفورد، بفيروس كورونا الشهر الماضي، وكان يعالج في الإمارات.
وقالت رشا عوض رئيسة تحرير جريدة التغيير الإلكترونية "المشاهد التي يتناقلها التلفزيون لتشييع الصادق المهدي رغم الظروف الصحية... تدل على مدى الشعبية والوزن السياسي الذي مثله الإمام الراحل".
وأضافت "المهدي كان معروفا بالاعتدال والقراءة الواقعية للملعب السياسي السوداني. كان بعيدا عن التطرف وعن الشطط... غياب شخصية بهذه القدرات وبهذا الوزن حتما سيضعف عملية الانتقال الديمقراطي".
وداعا صادق المهدي
قال بعض المشيعين إنهم أتوا من مختلف أنحاء السودان لوداع المهدي. وأعلنت الحكومة الحداد الوطني لثلاثة أيام. ووصل الجثمان إلى مطار الخرطوم صباح الجمعة وكان في انتظاره استقبال رسمي بحضور رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك وغيرهما من كبار المسؤولين.
وأفاد التلفزيون الرسمي أن الجثمان نُقل بعد ذلك إلى مدينة أم درمان الواقعة في الجهة المقابلة للعاصمة عبر نهر النيل.
ودفن الصادق المهدي بجوار جثمان جده الأكبر المهدي الذي قاد مقاومة ضد الاحتلال الإنكليزي في نهاية القرن التاسع عشر.
وتدير حكومة انتقالية السودان منذ الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في 2019 جرى تشكيلها بموجب اتفاق هش لتقاسم السلطة بين الجيش والجماعات المدنية.
وقالت رشا عوض إن المهدي كان يحاول تضييق هوة الخلاف بين العسكريين والمدنيين.
وانُتخب المهدي رئيسا للوزراء للمرة الثانية والأخيرة في 1986 وبعدها بثلاثة أعوام أطاح به انقلاب عسكري قاده البشير.
وسُجن المهدي ونفي مرارا في مشوار عمله السياسي الطويل. لكنه كان يعود في كل مرة محتفظا بحضوره وتأثيره. وظل حزب الأمة الذي يرأسه أحد أكبر أحزاب المعارضة طوال حكم البشير الذي استمر 30 عاما.
وعاد المهدي من المنفى آخر مرة بعدما قوت شوكة الاحتجاجات على تدهور الأوضاع الاقتصادية في ديسمبر كانون الأول 2018. وأسقطت الاحتجاجات البشير في نهاية المطاف في أبريل نيسان 2019.
فرانس24/ رويترز