لننتهز الفرصة في بناء "عقد اجتماعي" جديد

جمعة, 01/08/2025 - 10:43

عرف المجتمع الموريتاني على غرار جميع شعوب العالم، التراتبية والتميّيز بأشكاله المختلفة، ورغم ذلك تعايش مع تلك الظواهر لعدة قرون حتى بدت للبعض وكأنها قدرٌ ثابت لا يُمكن تغييره. لكن وبنظرة متأنيّة في تفاصيل تاريخنا، سواءّ في رواياته المكتوبة أو في ذاكرته الشفهية، يتأكد بوضوح أن هذا الماضي قد تخلّلته "تجاوزات وانتهاكات" جسيمة لحقوق الإنسان، منها الاستعباد والاستغلال والتهميش وكذلك الممارسات ألاّ أخلاقية و ظلت للأسف تُعيد إنتاج نفسها في صمت ولو بعد حين..
هذا جزء من  تاريخنا، وعلينا أن نتحلى بالشجاعة لقراءته قراءةً نقدية مسؤولة، ليس للتباهي طبعا ، بل من أجل تخفيف أثره، وعدم السماح له بأن يُقيد أجيالنا القادمة. 
إن تجاوز هذا الماضي لا يكون بالسكوت عنه أو محاولة دفنه، بل بالحديث عنه، ونقاشه، وإعادة النظر فيه بمنطق قيم العدالة والمساواة التي باتت جزءًا من وعي الإنسان المعاصر.
لقد مررنا، كمجتمع، بمرحلة الإستعمار وما صاحبها من إذلال واستغلال وتهميش، ولم تَسلم أي فئة أو مكوّن من هذه التجربة المُرة التي أكدت في معظم الأحيان تلك التراتبية من أجل خدمة هذه المرحلة الاستعمارية، و التي شكّلت محطة قاسية في مسارنا الوطني..
 واليوم، ونحن نواصل بناء جمهوريتنا، لا بد أن ننظر إلى الأمام من دون أن نغض الطرف عن ذاك الإرث المقيت؛
لا يمكن الحديث عن تجاوز آثار التفاوت والتمييز الطبقي دون الإستثمار الحقيقي في التعليم، فالتعليم هو وحده الوسيلة الأهم لتحقيق العدالة الاجتماعية. 
علينا أن نفرض التمدرس الإجباري، وأن يُحاسَب كل من يمنع أبناءه من التعلُم مهما كانت الأسباب، وأن يُعاقب كل قائم علي أسرة أن يُسخّر أودلاده للتسول أو الأعمال الشاقة أثناء الدراسة أو بعدها كما هو ملاحظ مع الأسف هذه الفترة في الشوارع و عند المحلات التجارية. 
ويجب أن يتمتع كل طفل، مهما كان انتماؤه الاجتماعي، بحقّ التعليم، وأن تتحمّل الدولة مسؤوليتها في ذلك حتى نعد جيلا كاملا بلا تمييز في الدراسة حتى وإن كان للمنحدرين من الأسر المقتدرة ماديا، الحق في تعليم أبنائهم خارج المنظومة التربوية الوطنية لأن لا يتحول الأمر إلى تمييز أو طبقية تربوية..
 أما فيما  يخص تعرّض بعض مكونات المجتمع لتجاوزات مبررة أو غير مبررة أو ظلمٍ باسم الدولة، فإننا نؤمن أن الاعتراف به كذلك هو جزء من مسار العدالة والمصالحة، لا بهدف إلقاء التهم أو تحميل المسؤولية لأي نظام بعينه بما حدث وقتها، وإن حصل الاعتراف فلنتجاوز ذلك الماضي و لنعمل على تحصين الأجيال القادمة تفاديا لتكراره، فالأمر يتعلق بكل من كان ضحية لتجاوزات وقعت في حقه من أجل المساواة و تعزيز وحدة و لحمة المجتمع تماشيا مع  روح دستور البلد.
 فلنُترحم على من قضوا و نثمن ما تحقق في تخفيف وطأة الألم والمعاناة لذوي الضحايا باسم الوطن، و لنعمل بجدية في إعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن على أساس دستورنا والقوانين الناظمة لحقوق المواطن وواجباته.
ليست هذه مناسبة لإثارة النزاعات، بل هي نداء وطني نبيل، لطّي صفحات الماضي بالحقيقة والاعتراف، لابالإنكار والتلكؤ. 
إنها فرصة نادرة لبناء "عقد اجتماعي" جديد، يقوم على أسس الكرامة، والمساواة، والمواطنة الكاملة. وعلينا انتهاز فرصة الحوارات و الوقوف علي مخرجاتها و البدء فيما هو جدي و تنموي..
لقد آن الأوان لأن نؤمن بأننا مسؤولون جميعا عن المستقبل، ولكن لسنا جميعًا مسؤولين عن الماضي. فلنعمل سويًا على جمهورية تسع الجميع، جمهورية لا ترتهن للمظالم باشكالها القديمة أو الحديثة، بل تتجه نحو العدالة المتجددة. 
وأن نقف وقفة رجل واحد من أجل جبهة داخلية قوية، رافضة للتراتبية و مخلفاتها التي لا تتماشي مع متطلبات العصر

 
ادوم عبدي اجيد