الدكتور : غالى العبقارى يكتب .. مبادرة " تآزر لنقل المدرسين خطوة استراتيجية

جمعة, 31/01/2025 - 12:48
الدكتور عالى العبقارى مكلف بمهمة بوزارة التربية

في إطار الجهود الوطنية الرامية إلى تعزيز فرص التعليم وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص، تعتزم مندوبية “التآزر” إطلاق مبادرة لتوفير خدمات النقل المدرسي لتلاميذ الأوساط الهشة، وخصوصا في الولايات الداخلية، ممن يدرسون في المرحلتين الإعدادية والثانوية ويبعدون عن مدارسهم ثلاثة كيلومترات أو أكثر.
هذه الخطوة تشكل دعما جوهريا للأسر ذات الدخل المحدود، وتسهم في الحد من العقبات التي تعترض المسيرة التعليمية للتلاميذ، خاصة في مناطق مثلث الأمل بآفطوط، حيث يمثل النقل المدرسي تحديا ماليا كبيرا. فعلى سبيل المثال، تبلغ تكلفة نقل التلميذ الواحد شهريا في مقاطعة باركيول بين 12 و15 ألف أوقية قديمة، مما يشكل عبئا يرهق الأسر المتعففة ويؤثر سلبا على استمرارية التلاميذ في الدراسة.

إن توفير النقل المدرسي يشكل عاملا حاسما في تقليل معدلات التسرب المدرسي، حيث يضمن وصول التلاميذ إلى مدارسهم بانتظام دون أن يكون بعد المسافة عائقا أمام تعليمهم. كما يسهم في تخفيف الأعباء المالية على الأسر، مما يشجعها على الاستثمار في تعليم أبنائها بدلا من القلق بشأن تكاليف النقل.
إلى جانب ذلك، فإن توفير وسائل نقل آمنة ومنظمة سيمكن التلاميذ من الوصول إلى مدارسهم في الوقت المناسب وبأقل جهد، مما ينعكس إيجابيا على تحصيلهم الدراسي، ويعزز فرصهم في استكمال تعليمهم في ظروف أفضل.

ورغم أهمية هذه المبادرة، فإن ضمان استمراريتها وتحقيق أقصى استفادة منها يتطلب البحث عن آليات تنفيذ أكثر كفاءة وفعالية، وذلك بالاستفادة من التجارب السابقة. وفي هذا السياق، يمكن النظر في استبدال نظام النقل المدرسي المستأجر بنظام المنح المالية المباشرة للتلاميذ المستحقين، بحيث يتلقون دعما شهريا مخصصا لتغطية تكاليف النقل وفقا لمعايير واضحة.
لقد أثبتت التجربة السابقة لمشروع SWEED، الذي اعتمد على تأمين سيارات نقل مستأجرة، وجود تحديات كبيرة أدت إلى تعثره، أبرزها غياب آليات رقابية فعالة، وضعف المتابعة، إضافة إلى محدودية الموارد المخصصة له في ذلك الوقت. لذا، فإن تبني نظام المنح المشروطة سيكون خيارا أكثر كفاءة، حيث يمكن مراقبة التزام التلاميذ بالحضور المدرسي بالتنسيق مع المؤسسات التعليمية، بحيث يتم تعليق المنحة في حال تغيب التلميذ دون مبرر، على غرار ما هو معمول به حاليا في منح البنات ضمن مشروع SWEED.
من أهم مزايا نظام المنح المشروطة:
    1.    دعم مباشر ومرن للتلاميذ: يتيح هذا النظام تمكين الأسر من تحمل تكاليف النقل وفقا لاحتياجاتها، مما يضمن استقرارا دراسيا أكبر.
    2.    تنشيط أسواق النقل المحلية: بدلا من الاعتماد على نقل مركزي، سيحصل التلاميذ على حرية اختيار وسائل النقل المتاحة محليا، مما يدعم مزودي الخدمة في كل بلدية ويخلق حركية اقتصادية في قطاع النقل المحلي.
    3.    تعزيز الرقابة وضمان الانتظام المدرسي: يسمح هذا النظام بمتابعة دقيقة لحضور التلاميذ، حيث يمكن ربط صرف المنحة بسجلات الحضور المدرسية، مما يقلل من الغيابات غير المبررة ويعزز الالتزام بالتعليم.

ختاما، فإن هذه الخطوة في ظرفها الزمكاني وأبعادها الاجتماعية والتربويّة، تعكس التزام حكومة معالي الوزير الأول، السيد المختار ولد أجاي، بتعزيز فرص التعليم في المناطق الأكثر هشاشة، بما يتماشى مع توجيهات فخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي جعل دعم الفئات الأقل حظا في التعليم إحدى أولويات برنامجه التنموي.
ويظل التحدي الأكبر هو ضمان التنفيذ الفعال لهذه المبادرة، ووضع آليات رقابية صارمة لضمان استدامتها، بحيث تحقق أهدافها المرجوة في توفير تعليم ميسر وعادل لجميع أبناء الوطن، بما يسهم في بناء مستقبل أكثر إشراقا للأجيال المستقبلية.

غالي ولد العبقري/ مكلف بمهمة بوزارة التربية وإصلاح نظام التعليم.