يعتبر الاعتداء على المدرسين و الدوس على كرامتهم في أي مجتمع من المجتمعات "ظاهرة" مقلقة تستدعي التحقيق والتحليل والتأمل،؛ فالمعلم هو العمود الفقري للمجتمع، وهو المسؤول الأول عن بناء و تربية أجيال المستقبل.
لكن وللأسف، قد عرفت بلادنا فى السنوات الأخيرة تزايد حوادث الاعتداء على المعلمين من طرف آباء التلاميذ ومن التلاميذ انفسهم، وهو ما أثار قلق المجتمع والسلطات..
ومن هذا التحقيق الاستقصائي سنسلط الضوء على هذه الظاهرة، ونستكشف أسبابها و أثارها السلبية على المنظومة التعليمية وعلى المجتمع ككل.
حادثة الصفع!
أثارت حادثة صفع المدرس والنقابي هارون الصبار على يد أحد أفراد الشرطة أثناء وقفة احتجاجية فى ساحة الحرية بالعاصمة نواكشوط غضبا واسعا وتنديدا من مختلف الفاعليات السياسية ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.
الحادثة التى وقعت ضحى الخميس 14-11-2024 أثناء تدخل قوة من الأمن لمنع وقفة احتجاجية نظمتها نقابات تعليمية بنواكشوط، أدت إلى احتجاجات واسعة فى مختلف مدن البلاد و تسببت في توقف تام عن الدراسة على عموم التراب الوطني.
إدانات واسعة..
وصفت عشرات النقابات التعليمية فى موريتانيا الإعتداء على المدرس هارون بالتصرف "العدواني" الذي يعكس همجية عناصر الأمن و بعدهم عن أبسط مستوى من المدنية و التعاطي المتحضر مع الوقفات السلمية التي يكفلها القانون..
حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) المعارض وصف ما تعرض له المدرسون في ساحة الحرية بالمؤشر على "عودة صادمة لعهود بائدة من التضييق على الحريات العامة".
وعبر عن تضامنه مع المدرسيين وعن استنكاره لـ"انتهاك كرامة المدرس ضمن حادثة سبقتها حوادث ووقائع أخرى تسيئ إلى مهنة ورسالة المدرس" داعيا في ذات الوقت، السلطات إلى فتح "تحقيق فوري" في الواقعة و إيقاع أقسى العقوبات بالضالعين فيه.
حزب الوحدة والتنمية (موالي للحكومة) وصف ما تعرض له المعلم على يد أحد أفراد الشرطة، بـ"الواقعة المؤسفة والمرفوضة بكل المقاييس"، وقال إن هذا الفعل لا يمثل فقط إهانة للمعلم كفرد، بل هو بمثابة صفعة للوطن بأسره، حشب تعبير بيان أصدره بالمناسبة.
رواد مواقع التواصل الاجتماعي من جانبهم، استنكروا الحادثة بشتى العبارات لدرجة مطالبة بعضهم وزارة التربية بإصدار قانون يحمي المدرسيين.
تضامن رسمي وفتح تحقيق
رئيس الجمهورية محمد ولد الغزواني أصدر أوامره بفتح تحقيق فوري حول ملابسات حادثة اعتداء أحد عناصر الشرطة على مدرس يوم الخميس 14 نوفمبر، وأعلنت وزارة الداخلية عن عقد اجتماع مساء اليوم الجمعة في مقر الوزارة بمسؤولين من وزارتي: الدآخلية و ترقية اللامركزية و التنمية المحلية، و التربية و إصلاح النظام التعليمي، بهدف التبادل حول السبل الكفيلة بالتوصل إلى حقيقة الحادثة و ملابساتها.
و كلفت هذه اللجنة، و على الفور، بالشروع في فتح تحقيق حول ملابسات و حيثيات الحادثة،تصدر على إثره تقريرا مفصلا، إحقاقا للحق و إنارة للرأي العام و انسجاما مع ما يخدم المصالح العليا للوطن، انطلاقا من القوانين و النظم المعمول بها في البلد.
الوزارة الوصية تندد!
من جهتها أعلنت وزيرة التربية وإصلاح النظام التعليمي، هدى باباه، عن تضامنها مع المدرسين مؤكدة في بيان "حرص الحكومة على صيانة كرامتهم، وضمان حقوقهم، ومحاسبة كل من يتطاول عليهم".
وأضافت في بيان مقتضب "شُكلت لجنة مشتركة بين قطاعي الداخلية وترقية للامركزية والتنمية المحلية وقطاع التربية وإصلاح النظام التعليمي للتحقيق في ملابسات الاعتداء على أحد المعلمين، وسيتم التعامل مع الموضوع بجدية وسرعة، واتخاذ الإجراءات المناسبة بناء على نتائج التحقيق".
ومحاولة من "مراقبون" للوقوف على ظاهرة الاعتداء على المدرسين، اجرينا سبرا لآراء بعض المختصين، وجاءت على النحو الآتي:
ـ ابراهيم الشيخ البشير الامين العام المساعد لنقابة الملحقين الإداريين يرى أن الأنظمة الاستبدادية تلجأ دائما للدوس على المدرس بوصفه حامل شعلة الوعي و رائدا لحركة الفكر،
و يضيف ولد الشيخ البشير تعليقا على حادثة صفع المدرس ولد الصبار: إن واجب الأمن الوطنى هو تأمين المظاهرات لا قمعها خاصة إذا كانت مشرعة و لحملة المعرفة و العلم.
السيسيولوجي و الناشط السياسي المقيم فى فرنسا سيد أحمد سيدى، يرى أن الاعتداء على المدرسين يعكس أزمة تربوية و مجتمعية خطيرة أعمق من مجرد حادثة صفع و أعتداء على المعلم. و تتطلب إستجابة من النظام و المجتمع لتصحيح النظام التربوي و تعزيز القيم الإنسانية
و يضيف ولد سيدي أن المعلم ليس مجرد ناقل للمعرفة بل قدوة للطلاب و مربي للأجيال و أي إهانة له ستنعكس سلبا على الطلاب .
و يشدد ولد سيدى على أن أي تعنيف للمدرس سيخلق بيئة مليئة بالخوف تفرز جيلا لا يحترم السلطة و المعرفة بشكل عام.
الرأي القانوني؛
لم يحدد المشرع الموريتاني قانونا خاصا لحماية المدرس وفق القاضي محمد ولد بوبكر، وهو مكلف بمهمة بوزارة العدل، لكن يحميه قانون الوظيفه العمومية الذي يحمي جميع موظفي الدولة حسب قوله .
و يوضح ولد بوبكر أن القانون رقم : 033/2015 المتعلق بمناهضة التعذيب ، تنص مادته الثانية على أن:
"في مفهوم هذا القانون يعني مصطلح التعذيب أي عمل ينتج عنه ألم او عذاب شديد ، جسديا كان أم عقليا ، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص ، او من شخص ثالث ، على معلومات او اعتراف ، او معاقبته على عمل ارتكبه او يشتبه في انه ارتكبه ، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو ارغامه هو أو أي شخص ثالث أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الاسباب يقوم على التمييز أيًا كان نوعه ، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه وكيل من الوظيفة العمومية أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها".
و مادته التاسعة على : "تقوم السلطات القضائية المختصة فورا ببحث حيادي كلما كانت هناك أسباب معقولة تفيد أن عملَ تعذيب أو سوء معاملة أرتكب أو تمت محاولة إرتكابه ، وذلك حتى في غياب شكايته . يمكن لأي شخص يدعي أنه تم تعذيبه الولوج الى السلطات المختصة التي تنظر فورا وبكل حيادية في دعواه" .
و المادة 10: "يعاقب كل من ارتكب الفعل المنصوص عليه في المادة 2 من هذا القانون بالسجن من عشرة 10 الى عشرين 20 سنة .
تسلط نفس العقوبات المحددة في الفقرة السابقة على المشاركين والفاعلين في أعمال تشكل عقوبة او معاملة قاسية أو غير إنسانية أو مهينة ".
غياب إحصائيات دقيقة
لا توجد أرقام ولا إحصائيات دقيقة لعدد حالات الاعتداء على المدرسين فى موريتانيا و يرجع الامين العام المساعد لنقابة الملحقين الإداريين ابراهيم ولد الشيخ البشير ذلك إلى تقصير النقابات، لكنه يؤكد فى نفس الوقت على أن الحالات تسجل يوميا لكنها غالبا ما تتم تسويتها بالتراضي.
ختاما، جميعنا نؤكد على أن المعلم هو الركيزة الأساسية في بناء المجتمعات، وهو المسؤول عن صقل عقول الأجيال القادمة ونقل المعرفة إليهم. ولذلك، فإن حماية المعلم من أي شكل من أشكال الاعتداء هو واجب وطني، ومسؤولية تقع على عاتق الجميع.
إعداد: بتار الشرفة الملقب يعقوب