مرّت سنة كاملة .. وما زال العالم يقف حائرا مندهشا أمام طوفان الأقصى. طوفان هو الأكبر منذ طوفان نوح عليه السلام، وحرب هي الأطول من بين كل حروب العرب وإسرائيل. حربٌ مُقدسة لا تخوضها دول ولا حكومات ولا جيوش نظامية. حربٌ مَقدسية يخوضها كتائب من المجاهدين المؤمنين بعدالة قضيتهم و المطمئنين إلى نصر الله. إنهم فتية آمنوا بربهم وزادهم هدى.
من كان يتوقع أن طوفانا محمديا مباركا يحدث بعد طوفان نوح عليه السلام منطلقا من غزة فلسطين ليغرق الكيان الغاصب الأثيم؟ من كان يتصور حدوث ما حدث في مثل هذا اليوم الأغر من العام 1445 في القرن الخامس عشر للهجرة؟ قامت الدنيا ولم تقعد من هول المفاجأة والصدمة. وصار كلٌّ يقرأ معاني “الطوفان” من منظور ديانته وثقافته. اليهودي يعتبره عقابا جماعيا، والمسيحي يعتبره تعميدا سماويا، ونحن نراه عملية تطهير للأرض لا ينجو منها إلا من ركب سفينة حماس والجهاد وقوى المقاومة الفلسطينية الأخرى. هو الحياة بعد الموت، وبداية تاريخ جديد.
* تاريخ جديد
أذكر أن الأمريكان بعد غزو العراق مباشرة وإزاحة القائد الرمز صدام حسين (رحمه الله) طرحوا على الطاولة: بناء “شرق أوسط ديمقراطي”. كان ذلك في عهد المحافظين الجدد بوش، كوندليزا رايس، رامسفيلد، إلخ،،،
وأصبح همنا الوحيد في جامعة الدول العربية هو كيف نتعامل مع إشكالية الطرح الجديد. نحن من جهة لم نكن مستعدين للقيام بأي إصلاحات ديموقراطية ذات بال، ومن جهة أخرى لم نكن مستعدين لمخالفة أمريكا. فانعقدت قمم عديدة حضرها ملوك ورؤساء، واجتمعت مجالس وزراء الخارجية أكثر من مرة للتداول في الموضوع. واستمر التردد و الحران إلى غاية انفجار أحداث “الربيع العربي”. ثم جاء الرئيس دونالد اترمب وما رافقه من ضغوط لأجل التطبيع والاختلاط ومساعي حثيثة لدفن القضية الفلسطينية، حتى أن الدين الاسلامي لم ينجُ من المحاولة. وفي نشوة الطغيان، تحول الحديث عن “الشرق الأوسط الديمقراطي” إلى الحديث عن “الشرق الأوسط الإسرائيلي”. وازدادت غطرسة وعنجهية دويلة الكيان حتى ظن أهلها أنهم قادرون عليها فأحاط بهم طوفان الأقصى من حيث لا يشعرون. وجاءهم الموج من كل مكان. وطفح كيل صواريخ “العياش” و”فجر” و”شهاب” و “القسام” و”الرنتيسي” وبلغ السيل الزبى، وانتشر الرعب. عادت القضية الفلسطينية إلى مقدمة الأجندة العالمية. وابتلعت السيول كابوس التطبيع في ظل صراع محتدم على النجاة والبقاء.
* الناجون .. و الغرقى
في خضم الطوفان المبارك ظهرت إيران بمظهر الداعم الأبرز لمشروع المقاومة والتصدي للعدوان بشهادة صناع سفينة الأقصى حماس والجهاد والفصائل الفلسطينية الأخرى. وقفت موقفا حازما إلى درجة أنها تخلت عن سياسة ضبط النفس والصبر الاستراتيجي التي كانت تتبعها خلال العقود الماضية. وبهذه الطريقة تمكّنت من توظيف خيبات الأمل المتراكمة لدى الشعوب العربية لخدمة مشروعها واتساع نفوذها. وقد أثار ذلك جدلا كبيرا في الأوساط العربية بين مؤيد ومشكك، ولكن ركاب السفينة لا وقت لديهم للخوض في تاريخ العلاقات بين العرب والفرس، ولا وقت لديهم للبحث في شراهة ومطامح هذا الراكب أو ذاك. المهم بالنسبة إليهم أن إيران ركبت سفينة النجاة يوم نزلت صواريخها على تل أبيب وعموم جغرافية الكيان الظالم. أما العرب، أولاد العم، فناداهم الربان وكانوا في معزل: “يا أهلنا اركبوا معنا ولا تكونوا مع الكافرين”.. فمنهم من لبى النداء، ومنهم من آوى إلى الجبل الأمريكي .. وكتب الله له الغرق.
7 أكتوبر 2024
محمد فال ولد بلاّل