نظمت موريتانيا خلال نهاية شهر يونيو 2024 المنصرم، انتخابات رئاسية شارك فيها سبعة مترشحين، من بينهم الرئيس الموريتاني المنتهية ولايته السيد محمد ولد الشيخ الغزواني.
وجرت العملية الانتخابية بدءا بالإجراءات الأولية من إيداع ملفات الترشح إلى الحملة الدعائية الممهدة لاقتراع الــــ29 في جو من التنافس الإيجابي على الرغم من بعض التعثرات البسيطة التي لا ترقى إلى تعكير جو ذلك العرس الديمقراطي الذي تمنى كل الموريتانيين أن ينتهي بالفرح والسعادة التي بدأ بها.
وخلال يوم الاقتراع تمت تغطية العملية من طرف بعض الهيئات الدولية والإقليمية، هذا بالإضافة إلى بعض الهيئات الوطنية، وأجمعت تلك الهيئات على الشفافية والنزاهة التي جرت فيها العملية، من بدايتها حتى تهايتها، وأفضت تلك الانتخابات إلى نيل المرشح محمد ولد الشيخ الغزواني ثقة المواطن الموريتاني لعهدة رئاسية ثانية من خمسة أعوام، وبنسبة عالية في الديمقراطية الجادة، وصلت إلى 56% من إجمالي الأصوات المعبر عنها خلال العملية.
هذه النتائج التي شهد لها القاصي والداني بالنزاهة والشفافية، اعترف بها بعض المترشحين على مضض وماطل البعض الآخر في الاعتراف بها، بينما رفضها جملة وتفصيلا صاحب الرتبة الثانية المرشح بيرام الداه عبيد، والذي كان قد حل في المرتبة الثانية للمرة الثالثة في انتخابات 2014 و 2019 و 2024 ، و قد اعتبر المترشح بيرام بأن النتائج كانت مزورة، ودعا الشعب الموريتاني للنزول للشارع دفاعا عن إرادته، ورفضا للتزوير حسب تعبير المرشح.
وهكذا فوجئ الجميع بخروج بعض المحتجين ليلة الإثنين التي تلت إعلان النتائج المؤقتة من طرف اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، وقد هتف المحتجون باسم بيرام واعتبروه رئيسا للبلاد، وقد أثاروا رعب المواطنين الذين لم يتعودوا على التظاهر بعد منتصف الليل، وبتلك الطريقة التي تمت بها التظاهرات، وبذلك التنسيق من خلال التظاهر المتزامن في نواذيبو شمالا إلى كيهيدي جنوبا، والتي سقط فيها وللأسف الشديد ضحايا في تلك المظاهرات الليلية.
ورغم سقوط ضحايا ما زال بيرام يخرج بين الحين ولآخر مشككا تارة في العملية الانتخابية، وداعيا تارة أخرى للحوار للخروج من الأزمة التي يعتبر هو أن البلاد تعيشها، فعن أية أزمة يتحدث السيد بيرام؟ وعن أي حوار يدعو؟ وعلى أي أساس يريد بيرام الحوار؟
من المعروف ضرورة أنه وبعد كل عملية انتخابية هناك غالب ومغلوب، وتلك الحالة ينجم عنها حوار يدعو له المتغلب عادة رغبة منه في إشراك الخاسرين في العملية الذين لم يحظوا بتأييد الناخب لبرامجهم الانتخابية، وهنا يكون الرئيس أو الشخص الفائز أخذ علما بصلاحية بعض البرامج وسلمية أهلها، ورجاحة عقولهم في تلبية بعض المطالب، غير أن هذا يكون بإرادة المنتصر لا بابتزازات الخاسر، وبشكل ودي دون أي عنف ودون أي ضغط من خلال الشارع وترويع الآمنين.
إن المواطن الموريتاني ليست لديه مشاكل لا يستطيع حلها، وبالفعل هناك بعض الأمور العالقة، والتي يجب حلها على وجه السرعة، ولعل من أهما المظلمة التاريخية لأكبر شريحة في المجتمع الموريتاني “لحراطين” غير أن هذه المظلمة نالت من المقترحات والتصور النظري مالم تحظ به أية قضية أخرى، ولم يبق إلا التنفيذ من خلال برامج واضحة المعالم، تقضي على بعض الفوارق الاقتصادية من خلال التعليم وخلق فرص استثمار للقادرين على ذلك، وتوفير مقومات الحياة الكريمة للمواطن ككل في دولة العدل والمساواة.
كما أن من يطلب الحوار يجب أن يعول أولا على الدعم الداخلي النابع من القواعد الشعبية التي تؤيد وتساند برنامجه السلمي الوطني الطموح، لا الذي يستقوي على بلده بالجهات الأجنبية والمنظمات الدولية التي لا يأتي في الغالب من ورائها إلا خراب البلدان وليست الجارة مالي عنا ببعيدة، ولا سوريا وليبيا والسودان وغيرها كثير في وطننا العربي الكبير.
وهنا أود أن أخلص في هذه العجالة إلى أن التنافس الإيجابي الذي جرت فيه العملية الانتخابية الأخيرة يجب ألا يعكر بأمور لا تخدم المواطن، وأن على من لديه أية أدلة على أن الانتخابات شابتها عمليات تزوير، أن يتقدم بما لديه من أدلة للجهات المعنية والطعن لدى تلك الجهات المخولة وحدها قانونيا بالبت في تظلمات من هذا القبيل.
وفي الختام على كل سياسي أو حقوقي أن يقدم مصلحة الوطن والمواطن وأمنه على أي مصالح شخصية ضيقة وآنية أخرى.
حفظ الله موريتانيا
بلال عالي أعمر لعبيد