بعد أيام طويلة من المفاوضات على وقع الحرب الدائرة في غزة والقصف الإسرائيلي المتواصل للقطاع الذي أسفر عن مقتل أكثر من 14 ألف شخص حسب حصيلة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، تنفس فلسطينيو غزة ومعهم عائلات الرهائن المحتجزين لدى حماس الصعداء مع توصل طرفي النزاع الأربعاء إلى هدنة إنسانية بوساطة قطرية، ساهمت فيها مصر وأمريكا، ولقيت ترحيبا دوليا واسعا.
وتحتجز حركة حماس وفصائل فلسطينية أخرى 240 شخصا منذ الهجوم الدامي على الدولة العبرية في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، والذي أدى إلى مقتل 1200 شخص، بحسب السلطات الإسرائيلية. وردت تل أبيب منذ ذلك الحين، بقصف مدمر على قطاع غزة أوقع 14128 قتيلا بينهم 5840 طفلا، وفق آخر حصيلة أعلنتها حكومة حماس.
وستدوم هذه الهدنة الموقتة، الأولى من نوعها في هذه الحرب المميتة والمدمرة، أربعة أيام فقط. وسيتم بموجبها الإفراج عن 50 من النساء المدنيات والأطفال المحتجزين في غزة، مقابل إطلاق سراح 150 فلسطينيا يقبعون في سجون إسرائيل بالإضافة إلى السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع الموجود تحت الحصار.
تفاصيل الاتفاق
كشفت وزارة الخارجية القطرية عن المزيد من التفاصيل حول الاتفاق، وكانت كالآتي:
- تبادل 50 من الأسرى من النساء المدنيات والأطفال في قطاع غزة في المرحلة الأولى، مقابل إطلاق سراح عدد من النساء والأطفال الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية، على أن تتم زيادة أعداد المفرج عنهم في مراحل لاحقة من تطبيق الاتفاق.
- دخول عدد أكبر من القوافل الإنسانية والمساعدات الإغاثية، بما فيها الوقود المخصص للاحتياجات الإنسانية.
- الإفراج عن الرهائن الخمسين سيكون موزعا على أيام الهدنة الأربعة.
- "وقف حركة الطيران في الجنوب على مدار الأربعة أيام، ووقف حركة الطيران في الشمال لمدة ست ساعات يوميا من الساعة العاشرة صباحا حتى الساعة الرابعة بعد الظهر" حسب بيان لحماس.
- لا تشمل عملية الإفراج عن الرهائن العسكريين الإسرائيليين.
وستتم عملية تبادل الرهائن بالأسرى بمساعدة موظفين في الهلال الأحمر على الأرض فضلا عن مسؤولين من إسرائيل وحماس وقطر، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية عن المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري. وأكد الأنصاري أن الهدنة "ستحتاج إلى بعض الوقت لتحضيرها على الأرض".
ونقلت وكالة رويترز عن وسائل إعلام إسرائيلية أنه من المتوقع بدء عملية إطلاق سراح المحتجزين الخميس. كما أضافت أن تقارير تفيد أن تنفيذ الاتفاق يجب أن ينتظر لمدة 24 ساعة لمنح المواطنين الإسرائيليين فرصة مطالبة المحكمة العليا بمنع إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين.
وفي تصريح لرويترز، قال قدورة فارس رئيس هيئة شؤون الأسرى في السلطة الفلسطينية برام الله إن من بين أكثر من 7800 أسير فلسطيني في سجون إسرائيل نحو 85 امرأة و350 قاصرا. وأضاف أن معظمهم اعتقلوا بدون اتهامات أو بسبب حوادث مثل رشق جنود إسرائيليين بالحجارة وليس لشن هجمات مسلحة.
ونقلت الوكالة عن مسؤول أمريكي، وصفته بـ"الكبير"، أنه "من المتوقع أن يكون من بين المحتجزين الذين سيفرج عنهم في هذه الصفقة ثلاثة أمريكيين، بما في ذلك طفلة تبلغ من العمر ثلاث سنوات، كان والداها من بين القتلى خلال هجوم حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول".
وبحسب الحكومة الإسرائيلية، بالإضافة إلى المواطنين الإسرائيليين، فإن أكثر من نصف المحتجزين يحملون جنسيات أجنبية ومزدوجة من حوالي 40 دولة بما في ذلك الولايات المتحدة وتايلاند وبريطانيا وفرنسا والأرجنتين وألمانيا وتشيلي وإسبانيا والبرتغال.
وفي تصريح له، قال محمد الخليفي وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية وهو كبير المفاوضين القطريين في محادثات اتفاق الهدنة، إن اللجنة الدولية للصليب الأحمر ستعمل داخل غزة لتسهيل إطلاق سراح المحتجزين.
وأضاف: "(ستكون) فترة مكثفة إذ سنكون على اتصال مباشر على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر والطرفين، للتأكد من أننا نحقق عملية إطلاق سراح الرهائن بشكل مثالي".
تمديد الهدنة؟
وتأمل قطر في أن تتحول هذه الهدنة الموقتة إلى وقف إطلاق نار مستدام، حيث عبر رئيس الوزراء وزير خارجية الإمارة الخليجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني عن ذلك على منصة "إكس" بالقول: "نأمل في أن تؤسس هذه الهدنة لاتفاق شامل ومستدام، يوقف آلة الحرب ونزيف الدماء ويفضي إلى محادثات جادة لعملية سلام شامل وعادل وفقا لقرارات الشرعية الدولية".
ومن جانبه، أكد كبير المفاوضين القطريين الخليفي لرويترز أن الهدنة تعني أنه "لن يكون هناك أي هجوم على الإطلاق. لا تحركات عسكرية، لا توسع، لا شيء". وتابع أن قطر تأمل أن يكون الاتفاق "نواة لاتفاق أكبر ووقف دائم لإطلاق النار. وهذه هي نيتنا".
وأشادت الدوحة بالجهود التي بذلتها كل من القاهرة وواشنطن كذلك لدعم جهود الوساطة التي أثمرت هذا الاتفاق، مشددة على أن الدوحة ستواصل "مساعيها الدبلوماسية لخفض التصعيد وحقن الدماء وحماية المدنيين".
ولتمديد الهدنة لأكثر من أربعة أيام، ستكون حماس مدعوة للإفراج عن رهائن آخرين في الأيام القادمة. وفي هذا السياق يقول الأنصاري "إن تعهد الفلسطينيون بالإفراج عن عدد إضافي يمكن تمديد الهدنة". مضيفا أن الإفراج "عن كل المدنيين في ظل هذه الظروف سيستغرق وقتا كما أن تأكيد العدد المتبقي سيستغرق وقتا".
لكن نتانياهو يبدو مصرا على مواصلة الحرب. وقال في رسالة مسجلة في بداية اجتماع للحكومة إن مهمة إسرائيل الأشمل لم تتغير. "نحن في حالة حرب وسنواصل الحرب حتى نحقق كل أهدافنا. تدمير حماس واستعادة جميع الرهائن وضمان عدم تمكن أي كيان في غزة من تهديد إسرائيل".
وباللغة نفسها، تحدث وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إذ حذر مساء الثلاثاء بأن اتفاق الهدنة لا يعني نهاية الحرب في قطاع غزة، مشيرا إلى أن الجيش سيستأنف العمليات "بكامل قوته" بعد الهدنة من أجل "القضاء" على حركة حماس و"تمهيد الظروف اللازمة لإعادة الرهائن الآخرين".
وبنفس اللهجة أيضا، عبرت حماس في بيان لها عن استعدادها لمواصلة الحرب: "إننا في الوقت الذي نعلن فيه التوصل لاتفاق الهدنة، فإننا نؤكد أن أيدينا ستبقى على الزناد، وكتائبنا المظفرة ستبقى بالمرصاد للدفاع عن شعبنا ودحر الاحتلال والعدوان".
وحتى اليوم، لم تفرج حماس سوى عن أربعة محتجزين فقط وهم الأمريكيتان جوديث رعنا (59 عاما) وابنتها ناتالي رعنا (17 عاما) في 20 أكتوبر/ تشرين الأول "لأسباب إنسانية" والإسرائيليتان نوريت كوبر (79 عاما) ويوشيفيد ليفشيتز (85 عاما) في 23 أكتوبر/ تشرين الأول.
وقالت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، التي شاركت في هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول مع حماس، في وقت متأخر من الثلاثاء إن إسرائيلية احتجزت في هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول توفيت. وقالت سرايا القدس على قناتها على تطبيق تلغرام: "سبق وأبدينا استعدادنا إطلاق سراحها لأسباب إنسانية، ولكن مماطلة العدو أدى إلى فقدان حياتها".
دور قطر "الناجح" في الوساطة
وظل ملف الرهائن حاضرا بقوة في الحرب بين إسرائيل وحماس. "منذ اليوم الأول الذي أعلنت فيه إسرائيل عن الحرب، قامت بتشكيل وفد رسمي بأمر من نتانياهو لإدارة ملف الأسرى والمفاوضات من جانبها، في لعبة حاولت فيها الالتفاف على الرأي العام الإسرائيلي تحت مسميات عدة"، يقول الخبير في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين، مشيرا إلى "الدور الذي برز في هذه المفاوضات لقطر على الرغم من تواجد الكثير من اللاعبين".
ويرى جبارين أن الدوحة "كان لها طبعا دور ناجح بامتياز ليس فقط بما يتعلق بالإفراج عن الأسرى بل حتى الهدنة وتبعياتها، والتي من الممكن أن تؤدي في الصف الأخير إلى عملية وقف إطلاق نار كاملة. والمشهد السياسي في داخل إسرائيل محتدم وواهن، الأمر الذي من شأن أية هدنة أن تنقل النيران العسكرية في داخل القطاع إلى نيران سياسية انتخابية، وبهذا فطنة وحنكة قطرية".
وفي نفس السياق يتابع: "بطبيعة الحال قطر هي الدولة الوحيدة التي تمكنت من إتمام الصفقة، إذ أنها تلعب دورا مهما في كونها القناة الوحيدة الواصلة ما بين إسرائيل وحماس، ومن هنا كان الحجيج لها من قبل الإدارة الأمريكية والإسرائيلية على حد سواء".
لافتا إلى أن "كواليس" الصفقة والأجواء التي دارت فيها "ما زالت غامضة للجميع". فيما يبقى أكبر سؤال معلق اليوم، إن كانت هذه الهدنة ستنفخ فيها حياة جديدة بعد انتهاء عمرها المحصور في أربعة أيام، أم ستعود الحرب بأهوالها إلى غزة وسكانها بمجرد انقضائه؟
افرانس24