هل فهم ولد اجاي حقا حاجتنا للبدايات؟

أحد, 09/02/2025 - 18:03

مر علينا في الحلقة الأولى أن الإرادة السياسية هي أن يفهم المتعاملون مع الدولة والموظفون أن هذا التوجه لا مناص منه ولا مواربة فيه وانه لابد من تحقيق هذه النتيجة بعينها .
 كما مر علينا أيضا أن البداية هي اعادة ترتيب الأمور في إطار عقلاني وظيفي يعي أهدافه ويسعى لتحقيقها.  لقد تم وضع الأسس لحل مشكلة المياه والكهرباء نهائيا في غضون أفق 2026 فيما يتعلق بالماء، وبالنسبة للكهرباء فإن مسلسل التعاقد مع شركات لإنتاج الكهرباء قيد التنفيذ على خلفية حصة موريتانيا من الغاز الذي بدأ استخراجه. لم يكن ذلك على أي حال مجهودا هينا ولا رخوا بل سيظهر عمق المجهود مع المثالين الآخرين مثال الأدوية  ومثال إعادة ترتيب وتنظيم الشركات حسب تخصصاتها وإمكانياتها .
إنها سابقة أن نحرز  مستوى هذا التقدم في تسوية حزمة من القضايا بهذا الحجم وفي وقت  كهذا .
- الارادة فوق كل اعتبار 
في موريتانيا وهي الوحيدة في العالم التي يوجد بها 48 مستورد للأدوية حينما لا تصل بعض أكبر الدول لأكثر من 4 مستوردين فقط . وخلال هذه الفوضوية التي تجتاحنا  يتم استيراد 3695 دواء لا يستوفي منهم الشروط سوى 600 دواء ، بينما يتم استيراد  2000  دواء بإذن مؤقت يمنح عادة في حالة استثنائية ريثما يستوفي الملف شروطه، وهكذا  في ظل اللامبالاة والتعامل تحت الطاولة  أصبح الاستثناء هو  القاعدة فقد استمر استيراد  3/4 من الأدوية دون أن تستوفي  الشروط ، كما ظلت النسبة المتبقية تاتي عبر قنوات غير شرعية: التهريب من الحدود البرية وعبر الميناء مدفونة مع البضاعة ، كانت الكثير من مشاكل الصحة مرتبط بالدواء فالكثيرين يشفون بمجرد أن يحصلوا على الدواء من أي دولة أجنبية وقد اتضح في الكثير من الحالات المرضية أن المشكلة ليست مشكلة التشخيص عندنا بقدر ماهي مشكلة فاعلية الدواء لقد تم العثور على  أدوية من مناديل ورقية وغير ذلك مما جعل الأمر في منتهى  الخطورة والعبثية وربما ما زالت بقايا هذه النماذج  موجودة لحد الآن.
الدواء  الذي يأتي إلينا يشحن  بطريقة غير صحية من غير تبريد حتى ذلك المرخص منه ، سواء في الطائرات أو عبر الميناء في الحاويات  حيث يمضي أياما في الميناء ينتظر إجراءات التخليص كما يأتي الدواء عبر التهريب وفي أسوإ الظروف والشروط  ويوضع في مخازن غير صالحة أبدا للتخزين .لقد كانت نوعيات من الدواء تباع تحت الشجر بجانب سوق العاصمة وتحت أشعة الشمس وتحت ناظري الدولة علينا أن نتذكر أن الأمراض السرطانية والفشل الكلوي والتسمم الدوائي وزيادة أمد المرض أمور انتشرت في البلد حتى أن الناس لاحظت عدم مفعولية الدواء في الكثير من الحالات. وقد ظلت الحكومة  عاجزة حيال ذلك وكانت تكتفي بعمليات استعراضية لحرق الأدوية دون  أي محاكمة ولا كشف لحقيقة سلسلة التزوير وطريقة دخول الدواء للبلد ولا آلية التوزيع ولا تحديد من يقف وراء ذلك. لقد ظلت المعلومات تحرق مع الكميات المتلفة من الأدوية . إن الوضع تغير اليوم أمام جميع تلك الحالات لقد أصبح البحث جاريا والتحقيق في هذه العمليات :مصدرها  وشبكاتها  كما لم تكن الدولة تملك أي قاعدة بيانات عن الأدوية الموجودة فيها . إن هذه الوضعية يستفيد منها سياسيون ورجال أعمال وشخصيات وازنة وموظفون محميون في الوزارة.  إنه عش الدبابير كان فعلا يتطلب إرادة صلبة لا تلين أمام الضغوط اللامتناهية ومن كل الأصناف ، وبداية من البدايات القوية من دون مغالات .كان الأمر في منتهى الصعوبة بداية بالتشخيص الدقيق والخروج بتصور وإعداد خطة مقبولة عند الموردين بسبب وضوح الرؤية حول الموضوع ووضع خطة منع دخول الأدوية غير المرخصة بإلغاء جميع الرخص المؤقتة للتوريد ومنحهم 3 أشهر لتسوية وضعيتهم القانونية فلن يدخل البلد من الآن  أي دواء  مجهول المصدر لقد أصبحت جميع الأودوبة المستوردة تملك الشروط القانونية التي في مقدمتها المصدر وصارت تأتي عبر الوسائل المعهودة لحمل الأدوية وأصبحت عملية التوزيع مضبوطة وصارت الدولة على اطلاع بكمية ونوعية الأدوية الموجودة فيها  وقادرة على الرقابة ومتابعة المخزون كما أن عملية نقل الأدوية إلى الداخل أصبحت تتم عبر الوسائل والشروط المعروفة مثل التبريد مع توحيد سعر الدواء على جميع أرض الوطن ،  والأهم من ذلك أن هذه العملية تمت دون تسجيل انقطاع في الدواء في السوق ودون أية مضاربة بالأدوية  وتكملة لهذا المجهود طالبت الدولة من مخابر الأدوية أن يكون لكل دواء رمز يتم تسجيله في قاعدة البيانات عبر تطبيق  إلكتروني تعكف عليه الجهات المختصة سيستخدمه المواطن في هاتفه يتيح  للمريض تحديد  مكان  الصيدليات التي يوجد بها  الدواء الموثوق ، بدل عملية البحث المضنية والانتقال بين الصيدليات وسيدعم  ذلك قدرة السلطات على سحب أي دواء عند الضرورة أو الحاجة  في أقل من عشر دقائق لأنها أصبحت تعرف خريطة توزيعه في الصيدليات وقد تم لحد الآن تسجيل سبعين دواء في هذه العملية التي  ستكتمل خلال السنة الجارية . لقد  تم من خلال هذا المجهود الاستثنائي وقف فوضوية وعبثية المتاجرة بالدواء وتم وضع 28 شخصا من مزوري الأدوية في السجن في أعقاب العملية يتم التحقيق معهم ريثما يتم تحويلهم للمحاكمة  ،صحيح أنها مع الأمور الأخرى  أثارت ضغوطا رهيبة وحملة شعواء على الوزير الأول  لم يكن أحد يعرف مرجعيتها الحقيقية ومع ذلك تم وضع   إطار مؤسسي تنظيمي لهذا القطاع يقوم على وضوح الاجراءات وتوفر البيانات والحفاظ على فاعلية الدواء وعلى توحيد سعره وعلى ردع المتاجرين بحياة وصحة المواطن لقد تم حسم ملف كان من أكثر الملفات خطرا  وتعقيدا ومتاجرة بصحة الناس  وخطورة بسبب ما يحيط به من قوة التأثير وفي غضون أربعة أشهر .
والحقيقة أن هذا ليس مجرد مجهود للاستخدام السياسي أو الإعلامي إنها مصلحة البلد وحماية الشعب   .
- تنظيم لابد منه
أما المثال الثاني فهو المتعلق بتصنيف الشركات وترتيبها  لكي  تتم عمليات المناقصات وفق تكافؤ الفرص .إنه  قبل هذه العملية كان يمكن لأي شخص تحت أي عنوان أن يكسب أي صفقة أو صفقات في مجالات متباينة بنفس العنوان .لقد فاز مخلص جمارك بصفقة طريق معبد ،كما حصلت مؤسسة تجارة عامة بصفقة مباني كبيرة أين الخبرة أين التراكم أين الاستثمار البشري والمادي؟ كما كان يسمح لرجل أعمال أن يحصل على جميع المباني العملاقة للدولة وأن ينافس في الوقت نفسه المؤسسات الصغيرة في بناء نقطة صحية في قرية نائية  إنها  عملية فوضوية ليس فيها مجال بين الكبير والصغير وبين التخصص ولذلك لا حظنا بروز رجال أعمال بجرة قلم ينتقلون من الفقر إلى الغنى الفاحش في أقل من عقد من الزمن بسبب الفوضى . لقد تم الأخذ بالتصنيف العالمي لشركات الأشغال من ب1 إلى ب5 ففي كل درجة من هذه الدرجات يوجد تصنيف  وشروط محددة يقوم على نوع وحجم من المعدات والآليات وعدد المهندسين والعمال ومقابل كل درجة في التصنيف نوع من الأعمال لا يمكن الخروج عنه ولذلك ليس بمقدور شركة من مستوى ب1 أن تشارك في صفقات من مستوى فوقها والعكس صحيح  .إن  بيانات التصنيف والمطابقة لهذه الشركات تأخذ من سجل العمال لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وسجّل الشركة التجاري عند الضرائب وسجل معداتها عند الجمارك كل ذلك يجب أن يكون باسم الشركة وقبل مدة زمنية  من المناقصة لقد استجابت لهذا الإجراء  70 شركة لحد الآن وهي وحدها التي في مقدورها المشاركة في الصفقات لقد حصلت شركات على صفقات فقط من خلال الاستجابة للشروط والمشاركة في المناقصة لن يكون بمقدور الشخصيات التي كانت مهيمنة على سوق الصفقات أن تشارك بأكثر من شركة واحدة بسبب المواصفات عكسا للوضعية السابقة وفقد الشخص التقدم بعدة شركات. لقد وزعت هذه الطريقة المساواة أمام الحظوظ والفرص بين أبناء الوطن كما ستحمي العمال من الفصل التعسفي لأنهم صاروا جزءا من تصنيف الشركة .
 أليست هذه بداية  . لم تكن أربعة أشهر مهمة بالنسبة للزمن لكسب كل هذه الخطوات وإن كان زمن الدوام يمتد إلى الساعة صفر والاجتماعات متلاحقة واحدا تلو الآخر والبرنامج الزمني محدد  بدقة ودون فتور لقد كان عملا مواظبا .
إن الهدف من أي عمل حكومي ومن تعيين أي شخص أن يبذل قصارى جهده وفكره وطاقته وبإرادة صادقة  في تحسين وتطوير البلد والرفع من مستوى القطاعات والخدمات مهما كانت مقاومة المستفيدين وقوتهم وتجذرهم في النظام.  صحيح أننا منذ زمن لم نعد نعرف  سوى سبب واحد للتعيين يكون سياسيا ،لكننا اليوم بصدد بروز أسباب أخرى أهمها الكفاءة  .

-أين سيقف غزواني 
ليس لأي سبب عابر يتم اختيار ولد اجاي إنها عملية أخرى أشبه بالبداية إنها خارج السياق المعهود خاصة أنها ضد وعكس إرادة التيار العام والقوي في السلطة لقد كان غزواني فيها أو يكاد يكون وحيدا ومع ذلك منحه كل ثقته وأعلنها للملأ من خلال تعهد مكتوب بصلاحيات واسعة فلأول مرة يترك لوزير أول اختيار هامش بنصف  الحكومة من عنده ويكون تحت إمرته بما في ذلك القطاعات الأساسية مثل المالية  ليس الأمر على الطريقة التي عهدناها كما أنها ليست مجرد ثقة إنها شرعية غزواني وبرنامجه الانتخابي  ومفاتيح المكافأة والعقاب حيث يقف وراء وزيره الأول بكل قوة واندفاع ويشد علي يده وفق رغبته في الإصلاح والتغيير لكن على طريقته بهدوء ورفق، وهكذا تحققت هذه الخطوات الأساسية ضد اللوبيات القوية التي تمد جذورها في الدولة منذ أمد .
إننا في استمرار هذا الاتجاه الحالي سنعرف انكماشا كبيرا لأسماء طافحة في عالم الصفقات فهكذا تفيد المؤشرات القائمة،وهو الذي ينسجم مع  أن  العهدة الأخيرة للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ستختلف وستتضمن تحولات مهمة ليس بالثورة لكن بأسلوب  غزواني من دون صخب ما أمكن ذلك ومع ذلك فإنها ستظل تتحرك . غزواني نفسه مقتنع بضرورة التحول وتسيير ذلك بجدية وبالتالي لن يسعفه حماية أحد ،  وهكذا يتعين على الذين استغلوا هذا البلد ونهبوه سواء بأي طريق أن يتراجعوا للوراء إن ظهورهم على الواجهة ورغبتهم  الدائمة في الاستيلاء على كل الصفقات ووقوفهم في وجه أي تجديد أو إصلاح أو أي تنظيم سيجعل الدائرة تدور عليهم لا مناصة من ذلك ،ولن يكون بمقدور أحد تخليصهم من أنياب القضاء ،  فلقد أصبحت لدينا محكمة فساد لقد تم تدشين هذه المحاكمة برئيس سابق كان قويا ومسيطرا على جميع مفاصل الدولة وحقق حزبه مليون منتسب وكان السباق نحو كسب وده منقطع النظير ،لقد كان مطلب محاكمته جماعيا خاصة من طرف المعارضة وقد وافقت الأغلبية على محاكمته  وساعدت في ذلك مجموعة أخرى من الظروف والعوامل.
إننا خلال 2029 سنشهد وضعا مختلفا فستمثل نهاية حقبة 1978  بصفة نهائية كما أنه لن يكون أحد من أركان هذا النظام في الواجهة وسيكون العقد الاجتماعي الجديد قائما على محاكمة الفساد والمفسدين وستكون قوة الرأي العام والتيارات الصاعدة قادرة على فرض أجندتها خاصة بشأن الإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد وستكون في وضعية تحريك دفة الحكم لا في وضعية طلب التنازلات  . إن على الكل أن يضع في الحسبان أن التغيرات القادمة ستكون جارفة وهكذا يجب دعم الأسس والبدايات حتى تكون خطوط التوافق وطنية ووفق أهداف الإصلاح وليس على خلفية الاصطفافات السياسية أو اللونية أو الجهوية والقبلية .إن مرحلتنا القادمة لن بنفع معها سوى الهدوء وتحقيق الأهداف المشتركة  ودعم جميع جهود الإصلاح الذي هو عملية تراكمية لمصلحة الجميع .

محمد محمود بكار