أسدل انقلاب الجيش في الغابون الستار على فترة حكم مطلق لعائلة بونغو امتدت لأزيد من خمسة عقود من الزمن، لتكون بذلك أطول عائلة فترة حكم في القارة الإفريقية بالنسبة للأنظمة ذات النظام الرئاسي. وتوزعت فترة حكم العائلة بين بونغو الوالد(عمر) وبونغو الابن(عالي)، فقد حكم الأول من سنة 1967 لغاية سنة 2009، وخلفه الابن الذي ظل يحكم، رغم ظروف صحية غيبته أحيانا عن تسيير دفة الحكم سنة 2018 في ظل موجة من الشائعات كانت تتحدث عن موت سريري، قبل ان يعود للواجهة في السنوات الأخيرة، ويظهر بمظهر الحاكم المسيطر والمتنفذ.
تركت سلالة بونغو طوال هذه الفترة بصماتها على هذا البلد الواقع في وسط إفريقيا، وكانت تعتبر انموذج الحكم الأكثر استقرار.
*دور العائلة في نشر الإسلام*
اعتنق بونغو الأب الإسلام سنة 1973، وغير اسمه من ألبرت برنارد بونغو، واتخذ اسم الحاج عمر بونغو، وأسلم معه ابنه عالي الذي كان يحمل اسم آلان برنارد، غير أن عموم العائلة من أبناء بونغو الأب ومحيطه بقوا على الديانة المسيحية.
لايزال تعداد المسلمين في الغابون ضعيفا (حدود 12%)، إلا أن اسلام بونغو الاب وابنه منح دفعا وحرية لنشر الإسلام في بلد تسكنه اغلبية مسيحية ويحكمه دستور علماني، فقد لعب الرئيسان دورا أساسيا في وقف محاربة الإسلام واستهدافه، وكان لهما الفضل في جعل الأعياد الإسلامية (الفطر، والأضحى) أعياد رسمية، وأنشأ عالي بونغو مجلس أعلى للشؤون الإسلامية في الغابون (CSAIG) ، وهو هيئة توحد جميع المسلمين الغابونيين. وتولى هو شخصيا رئاستها، كما فتحت وسائل الإعلام الرسمية ابوابها لأئمة البلاد لتقديم الدروس والمحاضرات، وتكريسا لهذا التوجه انضمت الغابون لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
*العلاقة بفرنسا. بين الوفاء والجفاء*
يعتبر عمر بونغو، عراب تيار "فرانس-أفريك"، وكان وثيق العلاقة بفرنسا وأحد الاوفياء الخلص لها في افريقيا. سمح بونغو الأب للشركات الفرنسية بالهيمنة على استغلال اليورانيوم والنفط والخشب لهذه الدولة الصغيرة الواقعة في وسط إفريقيا. ويعتبر صاحب المقالة الشهيرة، التي تترجم عمق علاقة الغابون بفرنسا:" "الغابون بدون فرنسا هي سيارة بدون سائق، فرنسا بدون الغابون هي سيارة بدون وقود". ساهم قرب عمر بونغو من دوائر صنع القرار في باريس في توطيد حكمه من خلال وجود قاعدة عسكرية فرنسية في الغابون، من بين مهامها غير المعلنة حماية "الحليف الوفي".
في المقابل، سعى بونغو الابن إلى كسر سياسة الأب مع فرنسا، فترتب على ذلك جفاء ملحوظا في علاقات باريس بليبرفيل. ولتقليم أظافر الفرنسيين، اعتمد بونغو الابن جملة من الاصلاحات الضريبية الكبيرة الموجهة إلى الشركات الفرنسية، بما في ذلك شركة "توتال" التي كانت تهيمن على حقول نفط البلاد، وقام بإدخال المنافسة في القطاعات الاستخراجية من خلال استجلاب الشركات الصينية والهندية. بل ذهب في مسار مماثل للمسار الذي انتهجه رئيس روندا، بول كاغامي، بإدخال اللغة الإنكليزية كلغة أساسية في التعليم والإدارة، وألحق الغابون بعضوية نادي الكومنولث، الذي يضم الدول الناطقة بالإنكليزية.
اغضبت سياسيات بونغو الابن فرنسا، فحفزها ذلك لاحتضان المعارضة السياسية، لذا وقفت باريس لأول مرة في وجه إعادة انتخاب بونغو الابن سنة 2016، مشككة في صحة الانتخابات التي افرزته رئيسا، والتي قال مرشح المعارضة حينها جان بينغ أنه الفائز فيها.
*سدنة الماسونية في وسط افريقيا*
ارتبط اسم عائلة بونغو برعاية الماسونية في منطقة وسط افريقيا، فقد أكدت تقارير صحفية متعددة أن الرئيس الغابوني الراحل عمر بونغو كان زعيم الماسونيين بمنطقة وسط إفريقيا، في حين ظهر نجله الرئيس المطاح به عالي في فيدو تم تداوله قبل سنوات يقوم بطقوس ماسونية في محفل ماسوني.
وتشير نفس المصادر أن الرئيس الكونغولي الحالي، دنيس ساسو انغيسو، ورئيس تشاد الراحل ادريس ديبي كانا يتبعان لبونغو الأب من حيث التراتبية الهرمية في المحفل الماسوني، وأن دنيس ساسو انغيسو، هو ما تسلم قيادة الحركة الماسونية في المنطقة بعد وفاة بونغو الأب.
*علاقة العائلة بالحكام العرب*
تحتفظ عائلة بونغو بعلاقات وثيقة مع العديد الأنظمة العربية، فقد كانت علاقة بونغو الأب بالعقيد الليبي الراحل معمر القذافي قوية جدا، ويقال إنه من كان سببا في دخوله الإسلام، كما كان صديقا للرئيس الموريتاني الراحل المختار ولد داداه، الذي عاش لفترة طويلة في شقة بمدينة نيس الفرنسية عرضها عليه الرئيس بونغو سنة 1985.
أما بالنسبة للبلاط الملكي، فإن عائلة بونغو تعتبر نفسها جزءا منه، فقد تميز تاريخ الصداقة بين عائلة بونغو والعلويين بتقارب المصالح الاقتصادية والسياسية وحتى الجيوستراتيجية.
فعمر بونغو كان صديقا خاصا للملك الحسن الثاني، وكان خليفته عالي صديقا مقربا ومخلصا للملك محمد السادس، الذي دأب في السنوات الأخيرة على قضاء إجازة أعياد رأس السنة في إقامته الخاصة في بوانت-دينيس بالغابون.
وقد اختار عالي بونغو العلاج في المملكة العربية السعودية اثناء اصابته بجلطة دماغية، وكان يختار الإقامة في المغرب في فترات النقاهة. وتحتضن المغرب معظم ثروات الأسرة بالخارج من عقارات واستثمارات.
ومن الناحية الاقتصادية، يعد المغرب الشريك التجاري الأفريقي الرائد للغابون. وهي تصدر الفواكه وصناعات النسيج، وفي المقابل تستورد الخشب والنفط.
وسياسيا، تحدثت بعض المصادر عن وساطة الملكية بين بونغو الابن وقوى المعارضة لتسهيل الحوار بين الرئيس وخصمه المعارض جان بينغ، الذي رفض نتائج انتخابات سبتمبر 2016.
*خلاف الورثة.. معول هدم عرش العائلة*
مع مجيء بونغو الابن الي السلطة سنة 2009، تغيرت ميكانيزمات المعارضة السياسية في البلد، فقد تعززت المعارضة التقليدية بقوى سياسية نافذة قادمة من رحم السلطة، وكان بعضها مدفوعا ببعض أبناء بونغو الأب وعلى رأسهم "باسكلين" ابنته البكر وكاتمة اسراره، التي اختلفت مع اخيها عالي بونغو بعد مضايقتها ومضايقة العديد من افراد العائلة ورموز نظام بونغو الأب، إثر الغاء الدولة لبعض الامتيازات التي كانوا يحصلون عليها.
فشل بونغو الابن في احتواء الورثة من اخوته واخواته البالغ عددهم 51 شخصا، فغذت هذه الخلافات العمل السياسي المعارض، وجعلت العديد من رموز النظام يدخلون في حلبة منافسة الرئيس على السلطة كحال وزير الخارجية الأسبق جان-بينغ، الذي نافس بونغو الابن في رئاسيات 2016، وزعم أنه الفائز الحقيقي فيها، في الوقت الذي كان فارق النتائج الرسمية بينه وبين الرئيس ضئيلا جدا.
*عقيدة التوريث حتى آخر لحظة*
من الواضح ان اجندة التوريث باتت تشكل ثقافة راسخة لدى عائلة بونغو، فرغم التحولات السياسية الكبيرة التي عرفتها البلاد في السنوات الأخيرة، كان الرئيس المطاح به عالي بونغو، يتبع جملة من الخطوات في إطار التمكين لنجله نور الدين لحكم الغابون من بعده، ففي سنة 2019، تم استحداث منصب المنسق العام للشؤون الرئاسية وتم اسناده له، وهو منصب يعلو منصب مدير ديوان الرئيس، ويعتبر بمثابة نائب الرئيس، وظل يحتفظ بهذا المنصب حتى سنة 2012، حين تم تعيينه مستشارا استراتيجيا للرئيس، ثم أسندت له ادارة حملة والده في الانتخابية الأخيرة.