كواليس أولى جلسات "ملف العشرية"

خميس, 26/01/2023 - 00:28

وكالة الأخبار/ اختتمت مساء اليوم الأربعاء أولى جلسات محاكمة المتهمين في الملف المعروف بـ"ملف العشرية"، والتي جرت وقائعها في كبرى قاعات قصر العدل بولاية نواكشوط الغربية، واستمرت الجلسة ثماني ساعات، رفعت خلالها أربع مرات.

وجرت أولى الجلسات على وقع احتشاد العديد من أنصار الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز والمشمولين معه في الملف في محيط قصر العدل بولاية نواكشوط الغربية، فيما طوق الأمن قصر العدل، وانتشر داخله بأعداد كبيرة، وحتى داخل قاعة المحكمة.

وقد رصد موفد الأخبار إلى المحكمة العديد من كواليس أولى الجلسات، التي جرت في القاعة الثانية من قاعات قصر العدل.

كيف بدت القاعة؟

تأخذ قاعات قصر العدل التي بنيت منذ أربعة عقود شكلا متقاربا، يقع في قلبها وفي مواجهة الداخل بشكل كرسي مرتفع، تتقدمه منصة، وأمامها موقف للمتهمين، يجلس على هذا الكرسي رئيس المحكمة، يتوسط قاضيين عضوين في المحكمة، وبعدهما كاتبين.

وعلى الجدار الخلفي أعلى رأس رئيس المحكمة تنتصب لافتة كتبت عليها الآية الكريمة: {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}، وتتوسط الآية شعار الجمهورية، وميزان.

فيما يقع عن يسار رئيس المحكمة قفص حديدي مخصص للمتهمين، وضع داخله 12 كرسيا، فيما جلس فيه عشرة أشخاص، في ظل غياب رجل الأعمال محمد الأمين ولد بوبات، وممثل هيئة الرحمة الخيرية.

وعن يمين رئيس المحكمة جلس وكيل الجمهورية ونائبيه، حيث يمثلون الحق العام في القضية.

أما في القاعة، فقد جلس في مقدمتها المحامون، وخلفهم الجمهور، والذي لم يتجاوز عدده وقت افتتاح الجلسة صباحا 42 شخصا، 25 منها رجالا، و17 امرأة، إضافة لعشرة صحفيين أربعة منهم أجانب.

داخل القفص

وصل المتهمون في الملف مبكرا، وجلسوا داخل قفص الاتهام، وكان ترتيب عند بداية الجلية انطلاقا من الجانب الذي يلي القضاة؛ محمد سالم ولد أحمد الملقب "المرخي"، فالطالب ولد عبدي فال، ثم محمد الأمين آلكاي، يليه محمد ولد الداف، وبعده الوزير السابق محمد عبد الله ولد أوداع.

وجنب ولد أوداع جلس الوزير الأول السابق يحي ولد حدمين، يليه الوزير الأول السابق محمد سالم ولد البشير، وبعده الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، فيها جلس عن يمينه صهره محمد ولد امصبوع، وجاء عن يمين ولد امصبوع يعقوب ولد العتيق.

ومع تقدم الجلسة، سحب الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز كرسيه إلى الأمام، ليأخذ وضعية متقدمة عن بقية المتهمين، حيث كان في أحاديث دائمة مع أعضاء هيئة دفاعه.

وقد ساد القفص في البداية صمت ووجوم، لكن مع تقدم الجلسة بدأت بعض الأحاديث الجانبية، وخصوصا بعد الخروج لاستراحة الغداء وصلاة الظهر والعودة منهما.

بداية فتعليق

بدأت الجلسة الساعة: 09:30 تقريبا، وافتتحها رئيس المحكمة القاضي عمار ولد محمد الأمين بالتذكير بالمادة: 279 من قانون الإجراءات، والتي تمنح الرئيس حق إخراج أي شخص يؤثر على السكينة داخل القاعة، كما يمكنه أن يعاقبه إذا رفض الاستجابة طبقا للمادة: 291.

وبدأ الرئيس – الذي وضع أمامه ذلك رزما ضخمة من الأوراق موزعة على ثلاث ملفات – النداء على المتهمين في الملف، وكانوا يردون عند سماع أسمائهم بالوقوف ورفع اليد، وعند النداء باسم رجل الأعمال محمد الأمين ولد البوبات، وصفه رئيس المحكمة بأنه "فار من العدالة"، مؤكدا إصدار "أمر قبض" في حقه، فيما نادى على ممثل هيئة الرحمة، قبل أن يأمر الكاتب بتسجيل لا يوجد ممثل لها.

وفور إكمال الرئيس نداء المتهمين باشر تسجيل المحامين الحاضرين، لكن عضوي هيئة دفاع الرئيس السابق جعفر ابيه وساندريلا مرهج أبلغا رئيس المحكمة بأن إجراءات التفتيش خارج القاعة تعيق دخول بقية فريق الدفاع، وطلبا رفع الجلسة لحين دخولهم.

وقد أمر رئيس المحكمة النيابة العامة باتخاذ الإجراءات الكفيلة بدخول المحامين، وكان رد الوكيل أنه لا يوجد أي مانع يمنع المحامين من الدخول، وإلا لما كان قي القاعة هذه العدد المعتبر من المحامين، مضيفا أن سبب عدم دخولهم ربما يعود لعدم رغبتهم في الدخول، أو لسعيهم لإثارة ما يشوش على سير المحاكمة.

وفي الساعة: 09:45 دقيقة أعلن القاضي ولد محمد الأمين رفع الجلسة لمدة ربع ساعة، لكن توقيت الرفع امتد لقرابة ساعة، حيث لم تستأنف الجلسة إلا الساعة: 10:35 دقيقة، وبعدها غصت القاعة بأكثر من 100 محام.

وقد أعاد رئيس المحكمة النداء على المتهمين، وقوائم المحامين مع استئناف الجلسة مجددا، حيث أحصى موفد وكالة الأخبار 53 محاميا في جانب الدفاع عن المشمولين في الملف، و47 محاميا في الطرف المدني الذي يدافع عن الدولة.

وعند وصول رئيس المحكمة في النداء إلى المحامي إبراهيم ولد ادي أكد لرئيس المحكمة أن المحامين سعوا لأن يكونوا إيجابيين مع المحكمة، لكن لا يمكنهم أن يسكتوا على المضايقات التي تعرضوا لها من الشرطة وداخل وخارج القاعة.

"صراع الكراسي"

وقد عرفت القاعة صراعا محتدما على الكراسي، وخصوصا المتقدمة منها، كانت بدايته بطلب تقدم به منسق دفاع الرئيس السابق محمد ولد اشدو، بحصول الفريق على مقاعد متقاربة لضمان انسيابية تشاوره.

وقد عزز عضو هيئة الدفاع جعفر ابيه رأي منسق الفريق عبر طلب ممنحهم الكراسي التي يجلس عليها أعضاء الطرف المدني المدافع عن الدولة، مؤكدا أنه "لا صفة لهم"، فيما طلب المحامي اباه ولد امبارك منحهم الكرسيين اللذين يجلس عليهما نائبي وكيل الجمهورية، معتبرا أنه لا يحق لهما حضور الجلسة، لأن وكيل الجمهورية يحضرها منفردا.

رئيس المحكمة لجأ لنقيب المحامين إبراهيم ولد أبني لحل "الأزمة"، وكان اقتراح النقيب أن يتم الترتيب وفق تراتبية عضوية هيئة المحامين، وهو ما اعترض عليه دفاع الرئيس السابق.

وقد لجأ رئيس المحكمة لأخذ أحد صفوف المقاعد من الجمهور لاستيعاب أعداد المحامين الكبيرة.

وبعد حسم "أزمة" الكراسي، قرأ نقيب المحامين توكيلا لهم كطرف مدني موقع من وزير المالية إسلم ولد محمد امبادي، وأتبعه بلائحة أعضاء الفريق الذي يضم عشرات المحامين، وكان نهاية "أزمة الكراسي"، بداية "لأزمة المنظمات".

"أزمة" المنظمات

بدأت قضية المنظمات عندما تقدم ثلاثة محامين هم؛ الزعيم ولد همد فال، وإكبرو ولد محمدو، وامبارك ولد الكوري، بطلب لرئيس المحكمة مقدم من ثلاث منظمات هي منظمة محاربة الفساد، ومنظمة الشفافية ومكافحة الرشوة، والجمعية الموريتانية لمكافحة الفساد، لاعتمادها كطرف مدني في القضية.

وقد أبدت النيابة العامة عدم ممانعتها في اعتماد هذه الجمعيات كطرف مدني في القضية، مذكرة بحالة مشابهة في ملف سابق خلال العام 2018، فيما اعترض عدد من المحامين على الأمر، ووصفوه بغير القانوني.

وقارب عدد المتدخلين حول موضوع المنظمات 20 محاميا، من بينهم المحامي إبراهيم ولد ادي الذي رأى أن المادة: 2 من قانون الإجراءات الجنائية، تمنح هذا الحق لمن يثبت أنه تضرر تضررا مباشرا، وبالتالي فهذه المنظمات غير مستحقة لهذه الصفحة، وكذا المحامي محمد المامي ولد مولاي اعل الذي أكد أن الضرر غير المباشر من الفساد يشمل الجميع بمن فيهم رئيس المحكمة، وهذا ما جعل المشرع ينص على أن الحق في الاعتماد كطرف يتطلب إثبات الضرر المباشر.

أما المحامي المختار ولد اعل فرأى أن منح هذه الجمعيات صفة طرف مدني يشكل فوضى لا ضابط لها، ممثلا لذلك بماذا إذا سافر داخل البلاد، وكان كلما مر بمدينة سجل جمعيته لدى محكمة الولاية كطرف في القضايا المعروضة أمامها.

وخلال حديث المحامي ولد اعل حول المنظمات، وردت كلمة أنه يتحدى المحكمة، وهو ما اعترض عليه رئيسها ودعاه لقراءة نص مادة ما، وهو ما رد عليه المحامي بأنه سيقرأها لكنه لن يجد فيها أي شيء، مذكرا رئيس المحكمة بأنه سبق وأن رافع تحت تهديد الأسلحة النارية، وعن متهمين يواجهون عقوبة الإعدام.

وقد استمرت المرافعات حول "أزمة المنظمات" حتى الساعة: 14:45 دقيقة، حيث رفع رئيس المحكمة الجلسة لصلاة الظهر، والغداء.

وقد غادر كل المتهمين قفص الاتهام، فيما عاد إليه الرئيس السابق بعد وقت وجيز من مغادرته، وبقي وحيدا، كما رفض قبول الوجبة التي قدمت له داخله.

رفع للتفتيش

وفي الساعة: 15:45 دقيقة، استأنف رئيس المحكمة الجلسة، فيما عاد جميع الحضور إلى القاعة دون أن يخضعوا لأي تفتيش، وقبل أن يباشر رئيس المحكمة مجريات الجلسة تقدم وكيل الجمهورية أمامه بطلب رفع الجلسة لمدة ربع ساعة، ورغم طلب الرئيس من الوكيل تقديم مبررات الطلب إلا أنه لم يقدمها.

وقد رد دفاع الرئيس السابق على طلب الوكيل رفع الجلسة لمدة ربع ساعة، بطلب مماثل، وهو ما استجاب له رئيس المحكمة، حيث رفع الجلسة لمدة نصف ساعة.

وفي ظل اتضاح أن هدف النيابة من رفع الجلسة هو تفتيش الحضور، رفض غالبية المحامين مغادرة القاعة، فيما تدخل نقيب المحامين لتسوية الموضوع، عبر الاتفاق على تفتيش غير المحامين، من الإعلاميين والجمهور.

وفي الساعة: 16:15 دقيقة استأنفت الجلسة من جديد، حيث بدأ أعضاء في دفاع الرئيس السابق، وخصوصا ولد اشدو، وساندريلا، والطالب اختيار مطالبة الرئيس بتجاوز قضية المنظمات، باعتبارها قضية شكلية، وأخذت الكثير من وقت المحكمة، في حين أنهم يطالبون بأن تكون استعادة المشمولين لحريتهم في صدارة اهتمام المحكمة.

وقد رد رئيس المحكمة على هذا الطلب بأن استمرار نقاش المحامين لها هو ما يؤجل حسمها، مردفا أنه سيتخذ قراره بخصوصها فور انتهاء مرافعات الأطراف حولها.

ورغم دقة التفتيش في مدخل قاعة المحكمة، فقد تعرض أحد المحامين للطرد بعد أن رن هاتفه داخل القاعة.

وعرفت جلسة اليوم الأول من المحاكمة إشكالية في الترجمة، حيث تولى المحامون الترجمة لزملائهم، وخصوصا المحاميين الفرنسيين والمحامي السنغال، فيما اعترض المحامي بال آمدو تيجان – وهو محامي الوزير الأول السابق محمد سالم ولد البشير - على غياب الترجمة معتبرا أنه أوجد ارتباكا كبيرا خلال مجريات اليوم الأول، مطالبا بمعالجته في الجلسات القادم.

كما عرفت الجلسة إشكالية متكررة في أجهزة الصوت المستخدمة داخل القاعة حيث تعطلت أكثر من مرة.

وبعد ثماني ساعات من التدافع القانوني داخل قاعة المحكمة، أعلن رئيسها القاضي عمار ولد محمد الأمين إنهاء الجلسة اليوم قبل أن تصل أولى مراحل الملف التفصيلي، أو تبدأ في الاستماع للمتهمين، فيما ينتظر أن تستأنف غدا بعناوين جديدة، في ملف أثار الكثير من النقاش خلال مسيرته الطويلة من البرلمان إلى أروقة العدالة.