آلمودات "رؤية أخرى" / عبدالله محمد الفلالي

اثنين, 31/10/2022 - 14:48

لم يتح لي كغيري من المواطنين القاطنين في الأرياف النائية العثور على نسخة من كتاب "عبقرية آلمودات" الذي صدر حديثا، ولأن ماهو معلوم من قواعد النشر أن يكون العنوان مطابقا للمحتوى، فمثلا كتاب "أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن" عمل مؤلفه الشيخ: محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى بمضمون عنوانه، وكتاب "حياة موريتانيا" لمؤلفه المؤرخ: المختار ولد حامدن، عمل بمقتضى عنوانه وتعمق فيه تأريخا واجتماعا، لذلك نعمل بالقاعدة مالم يظهر لنا خلافها، فنعدل إلى الحق والحق أحق أن يتبع.
مما هو مجمع عليه في ديننا الحنيف أن المولود يولد صفحة بيضاء، قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:78].
فالوسائل المعينة على التعلم تولد مع الإنسان، وتبقى الأدوات لمن أراد أن يسلك سبيل المعرفة، و"آلمودات" بلام مفخمة هم كغيرهم من الأطفال يخرجون إلى الدنيا بحواسهم ولديهم نصيب من الذكاء، فقد أثبتت الدراسات أن الأطفال أكثر ذكاء في مراحلهم التعليمية الأولى، ثم يحدد نوع العملية التعليمية مستويات الأطفال في المراحل اللاحقة، وهذا في رأيي لا يتنافى مع حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (كلُّ مولودٍ يولدُ على الفطرةِ ، حتى يُعرِبَ عنه لسانُه ، فأبواه يُهوِّدانِه ، أو يُنصِّرانِه ، أو يُمجِّسانِه) [صحيح مسلم 4/2047].
فالأم هي المدرسة الأولى، ومنها يتلقى الطفل معارفه الأولى ويحدد هويته الدينية "مسلم -مسيحي -يهودي -بوذي"  وإثنيته "عروبي -إفريقي -أمازيغي".
وبالعودة للكتاب فهو يحدد فئة معينة "آلمودات" تنتمي لمكون وطني أصيل "الفلان" له طريقته في التعليم ونظامه في الحياة، وظاهرة "آلمودات" ليست محل إجماع لدى المكون الوطني الأصيل"الفلان"، فالكثير منهم يدفع المال مقابل تعليم أبنائه، ويرفض خروجهم للشوارع والطرقات لسؤال الناس، والحقيقة أن بعض الشيوخ الذين يرسلون طلابهم"آلمودات" للشوارع والطرقات يضعونهم أمام خيارات صعبة، حين يحددون لهم مبلغا من المال يتوجب دفعه ضريبة للشيخ، فهم إما أن يدفعوهم للعمل واستغلال أرباب المال لهم في الأرياف، أو السؤال والسرقة في المدن حيث يخشى الناس المتابعة القضائية، بسبب الإخلال بالقوانين المحرمة لعمالة الأطفال واستغلال القصر.
وبناء على ما تقدم فقد عملت الجارة السنغال على الحد من الظاهرة، بعد أن تبين أن معظم السرقات في دكار وغيرها من مدنهم الكبرى ينفذها آلمودات، وذلك بمنح مرتبات لشيوخهم ثم الرقابة الأمنية عليهم.
وفي وضع كهذا لا يكون لدى الطالب متسع للتفكير والعبقرية، فالتاريخ يحدثنا أن الذين نبغوا في حالات البؤس أطفال اكتشفت مواهبهم، ووجدوا من يرعى تلك الموهبة ويضمن لهم متطلبات العيش الكريم، ك "القاضي يوسف" الذي تكفل به شيخه أبو حنيفة النعمان فصار إماما في الفقه ومقدما في المذهب الحنفي، وآخرون لم يتح لهم فرصة التحصيل المدرسي ك"توماس أديسون" الذي طرد من المدرسة بحجة أنه ناقص الذكاء فرعته أمه، وهو صاحب الألف اختراع أهمها "المصباح الكهربائي"، و"أنيشتاين" المنظر لقانون النسبية، وغيرهما من العباقرة الذين تعلموا من مدرسة الحياة.
أما إن كان العنوان للسخرية من هذه الفئة فهو ما لا ينبغي، فالجرم ليس جرمهم، بل هو جرم الذين دفعوهم لهذا المستنقع لهثا وراء مكاسب مادية، فمما يؤثر عن شيوخهم التباهي بهذه الظاهرة، وقولهم: "من يكسب آلمود يكسب ثروة"، وقد نقل لنا ما يؤكد ثراء هؤلاء الشيوخ وامتلاكهم لقطعان ماشية ومخازن حبوب.
في خطاب لرئيس الجمهورية: محمد ولد الغزواني نقلته بعض الصحف الوطنية، اشتكى من انتشار ظاهرة التسول في المدن الكبرى بحيث لا يخلو ملتقى طرق كبير من متسولين، وحث على إيجاد حل لهذه الظاهرة المشينة، والحل في نظري يحتاج لمعالجة اقتصادية واجتماعية، وتفكيك لأسس النظام الراسمالي الذي يؤدي لاحتكار مصادر الثروة وتكديسها بيد فئة قليلة، إضافة لخلق فرص عمل جديدة وإنشاء صناديق سيادية لمساعدة الفئات الأكثر فقرا، وهو أمر لم يفت رئيس الجمهورية فقد انشا "تآزر" لدعم الشرائح الهشة، وأعاد فتح متاجر "أمل" التي أنشئت في عهد الرئيس السابق لتوفير المواد الغذائية الأساسية بأسعار مخفضة، وتعهد في برنامجه الانتخابي بتوفير ثلاثين الف وظيفة في مأموريته، إلا أن الأمر يتطلب المزيد من العمل، قال تعالى: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»(التوبة - 105).