11 سبتمبر 2001.. ضغطة زر غيرت وجه العالم (تحقيق)

أحد, 11/09/2022 - 00:50

 أحيانا يعجز الإنسان عن الإجابة على أسئلة قد تكون بديهية، حتى صارت في يوم من الأيام ورغم مرور 21 عاما على طرحها، الأصعب على القوة العظمى الأولى في العالم، فرغم أن الولايات المتحدة الأمريكية تعرضت للهجمات الأخطر عبر التاريخ في 11 سبتمبر 2001، إلا أن المتوافر لدى الأجهزة الأمنية الأقوى في العالم مجرد استنتاجات وتحليلات مبينة على بعض الدلائل، فحتى الآن لا نعلم لماذا فعل تنظيم القاعدة الإرهابي هذا؟، كيف تم التخطيط للهجوم وتصوره؟، كيف فشلت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية في توقع ذلك ومنعه؟ وماذا يمكننا أن نفعل في المستقبل لمنع أعمال إرهابية مماثلة في أي دولة؟، في يوم من الأيام لن يكون هناك أي شخص على قيد الحياة لديه قصة شخصية أو متداولة عن 11 سبتمبر، حتما سوف يتلاشى التأثير العاطفي لليوم قليلا ، ثم أكثر قليلا، حيث يحول الوقت تجربة معيشية عميقة إلى درس تاريخ جاف، وبدأ هذا التحول بالفعل، وليس عليك سوى أن تسأل أي مدرس تاريخ في المدرسة الثانوية.

جوزيف هاورد: أكثر مشهد مهيب في حياتي

حاولنا في هذا التحقيق الذي استغرق إعداده بضع سنوات، وتواصلت «الوطن» مع أشخاص من 6 دول، بينهم من كان له التأثير في القصة الأبرز - حتى الآن - في القرن الحادي والعشرين، وآخرين وقع عليهم التأثير المباشر أو كانوا جزءا من تبعات الهجمات التي راح ضحيتها 2977 شخصا، في يوم بدأ مع مرور 19 خاطفا من تنظيم القاعدة الإرهابي عبر نظام نقاط تفتيش أمنية كان من الواضح أنهم حللوها جيدا وعرفوا كيف يهزمون التكنولوجيا الحديثة، ليكون معدل نجاحهم في اختراق النظام الأمني 19 مقابل 19 ، حيث استولوا على الرحلات الجوية الأربع، مستفيدين من طواقم الطائرات وقمرة القيادة التي لم تكن مستعدة لخطر الاختطاف الانتحاري.

استيقظ جوزيف هاورد، كعادته في السادسة صباحا من يوم الحادي عشر من سبتمبر، حيث كان لديه روتين صباحي، قبل أن يترك الشركة التي كان يعمل لديها ويتجه للعمل الخاص في عام 2006، حيث يبدأ يومه بركوب مترو الأنفاق المتجه إلى مركز التجارة العالمي، ثم يحتسي فنجان القهوة أثناء اطلاعه على آخر الأخبار في صحيفة «نيويورك تايمز»، ثم يترجل إلى مكتبه، حيث يتحول هذا الرجل المثقف إلى موظف يحلل الأسهم المالية بدءا من الساعة التاسعة صباحا، وبعد إجراء العديد من المكالمات مع العملاء أمسك بالريموت كنترول وضغط على الزر، ليرى أكثر مشهد مهيبا في حياته «يا إلهي هل هذا حقيقي»، هذا ما جال بخاطره للحظات، لكنه استجمع ذهنه الشارد، ليقرأ ما دون على الشاشة أمامه «طائرة مدنية تصطدم ببرج التجارة العالمي».

في الساعة 8:46 من صباح 11 سبتمبر 2001، أصبحت الولايات المتحدة مسرح لهم احداث القرن الواحد والعشرين، فهناك طائرة ركاب تسافر بسرعة مئات الأميال في الساعة وتحمل حوالي 10000 جالون من وقود الطائرات في البرج الشمالي لمركز التجارة العالمي في مانهاتن، وفي الساعة 9:03 ، اصطدمت طائرة ركاب ثانية بالبرج الجنوبي، تصاعدت ألسنة اللهب والدخان إلى أعلى، وسقط الفولاذ والزجاج والرماد والجثث في الأسفل.

البرجان التوأمان، حيث يعمل ما يصل إلى 50 ألف شخص كل يوم، انهار كلاهما بعد أقل من 90 دقيقة، وفي الساعة 9:37 من صباح ذلك اليوم نفسه، اصطدمت طائرة ركاب ثالثة بالوجه الغربي للبنتاجون، وفي الساعة 10:03، تحطمت طائرة رابعة في حقل في جنوب بنسلفانيا، كانت تستهدف مبنى الكابيتول أو البيت الأبيض، وكانت الحصيلة وفاة أكثر من 2600 شخص في مركز التجارة العالمي، وتوفي 125 في البنتاجون، ومات 256 على أربع طائرات، ليتجاوز عدد الضحايا في تلك الهجمات عدد من لقوا حتفهم في الهجوم على ميناء بيرل هاربر خلال الحرب العالمية الثانية في ديسمبر عام 1941.

فرخند يوسافزي: أحداث 11 سبتمبر كانت مروعة لشعب باكستان

على الجانب الآخر من العالم، كان فرخند يوسافزي في منزل العائلة بباكستان، مستلقيا على أريكة أمام التلفاز، ليرى المشهد ذاته الذي يتابعه جوزيف لكن بتوقيت إسلام آباد، حيث يصف الشاب الباكستاني هجمات الحادي عشر من سبتمبر «لا شك أن أحداث 11 سبتمبر كانت مروعة لشعب باكستان مثلها مثل العالم بأسره، كانت الأسباب كثيرة، كما ضرب تنظيم القاعدة القاعدة القوة العظمى في قلبها، لم تكن الهجمات على البنتاجون ومركز التجارة العالمي حدثا صغيرا بأي شكل من الأشكال، تفهمت الطبقات المتعلمة في المجتمع بشكل أفضل رد فعلها القوي وكانوا يعبرون عن عدلهم ورعبهم، لكن كان هناك الكثير من الأشخاص الذين احتفلوا بهذه الهجمات وأشادوا بالقاعدة أيضا، نظرا لأن باكستان لديها تاريخ في صنع وتغذية واستخدام طالبان لأهدافها في السياسة الخارجية ، فقد تم تلقين الناس عقيدة من قبل الحكومة والمؤسسة منذ عهد ضياء الحق (1977-1988)، حتى الأشخاص المتدنيي التعليم اعتادوا أن يحبوا عناصر طالبان حتى عام 2007 عندما بدأوا بشكل مباشر في مهاجمة الأهداف السهلة في باكستان، فقط بعد أن هاجمت طالبان الأسواق والمساجد والمدارس وعامة الناس ، أدرك الرجل الأمي أنهم أعداء لهم وليسوا أصدقاء».

«أثرت هذه الأحداث بشكل سلبي للغاية على باكستان من عدة جوانب، حيث دمرت الحروب الأفغانية مع الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية الاقتصاد والأنسجة الاجتماعية والصورة الدولية لباكستان، سياسيا، أدى الهجوم الأمريكي على أفغانستان إلى الإطاحة بحكومة طالبان وتثبيت حكومتي كرزاي وغني التي كانت في المعسكر المقابل لباكستان وأقامت علاقات قوية مع الهند، وحرمت باكستان من حكومتها الصديقة في أفغانستان، أما عسكريا، عندما تبنت باكستان نهجا مزدوجا في الحرب الأفغانية، إسلام آباد أصبحت الحليف الأمامي للولايات المتحدة الأمريكية في الحرب على الإرهاب، لكنها دعمت سرا عناصر طالبان والقاعدة، ونتيجة لذلك، جعلت الطرفين يشككان في نواياها وسياساتها وأصبحوا أعداء لها، لذلك بدأت حركة طالبان باكستان (جماعة تحت مظلة حركة طالبان الأفغانية) أنشطتها الإرهابية بكامل قوتها، ونتيجة لذلك فقدت باكستان أكثر من 80000 شخصا في الإرهاب، أما اقتصاديا فدمرت هذه الحرب بيئة الأعمال ومليارات الموارد المالية للبلاد»، بحسب حديث فرخند يوسافزي لـ«الوطن».

كانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر بمثابة صدمة، لكن ما كان ينبغي أن تكون مفاجأة، لقد أعطى عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي الكثير من التحذيرات من أنهم قصدوا قتل الأمريكيين دون تمييز وبأعداد كبيرة، على الرغم من أن أسامة بن لادن نفسه لم يبرز كتهديد مؤكد حتى أواخر التسعينيات، إلا أن تهديد إرهاب «القاعدة» نما على مدار عقد التسعينيات، ففي فبراير 1993، حاولت مجموعة بقيادة رمزي يوسف تدمير مركز التجارة العالمي بشاحنة مفخخة، قتلوا ستة وجرحوا ألف، وأحبطت خطط لتفجير أنفاق هولندا ولينكولن وغيرها من معالم مدينة نيويورك عندما تم القبض على المتآمرين، وفي أكتوبر 1993، أسقط عناصر القاعدة في الصومال طائرات هليكوبتر أمريكية، مما أسفر عن مقتل 18 وإصابة 73 في حادث أصبح يعرف باسم «سقوط بلاك هوك».

وفي أوائل عام 1995، كشفت الشرطة في مانيلا عن مؤامرة رمزي يوسف لتفجير عشرات الطائرات الأمريكية أثناء تحليقها فوق المحيط الهادئ، كما أنه في نوفمبر 1995، انفجرت سيارة مفخخة خارج مكتب مدير البرنامج الأمريكي للحرس الوطني السعودي في الرياض ، مما أسفر عن مقتل خمسة أمريكيين واثنين آخرين، وفي يونيو 1996 ، دمرت شاحنة مفخخة مجمع أبراج الخبر السكني في الظهران بالمملكة العربية السعودية ، مما أسفر عن مقتل 19 جنديا أمريكيا وإصابة المئات.

وحتى عام 1997، كانت أجهزة الاستخبارات الأمريكية تنظر إلى بن لادن على أنه ممول للإرهاب ، وليس كزعيم إرهابي، وفي أغسطس 1998، نفذ تنظيم القاعدة الإرهابي ، هجمات شبه متزامنة بشاحنة مفخخة على سفارات الولايات المتحدة الأمريكية في نيروبي ، كينيا ، ودار السلام في تنزانيا، أسفرت الهجمات عن مقتل 224 شخصا ، بينهم 12 أمريكيا، وإصابة الآلاف، في أكتوبر 2000، استخدم فريق من القاعدة في عدن اليمنية، زورقًا بمحرك مليء بالمتفجرات لتفجير ثقب في جانب المدمرة يو إس إس كول، ما أدى إلى غرق السفينة ومقتل 17 بحارا أمريكيا.

كانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر على مركز التجارة العالمي والبنتاجون أكثر تفصيلا ودقة وتدميرا من أي من هذه الهجمات السابقة، ولكن بحلول سبتمبر 2001، تلقى الفرع التنفيذي للحكومة الأمريكية، والكونجرس، ووسائل الإعلام، والرأي العام الأمريكي تحذيرا واضحا من أن تنظيم القاعدة الإرهابي قصد قتل الأمريكيين بأعداد كبيرة، بحسب التقرير النهائي للجنة الوطنية حول هجمات 11 سبتمبر الإرهابية على الولايات المتحدة.

فرحان نيازي: واجهت باكستان بسبب مجاورتها لأفغانستان أنواعا مختلفة من التداعيات

مواطن باكستاني آخر كان يتابع الأحداث بعيون الصحفي، وهو فرحان نيازي الذي يرى أن أفغانستان واحدة من الدول المجاورة لباكستان، تشترك اثنتان من أصل 4 في حدودها مع أفغانستان، وعلى جانبي الحدود يشترك الناس تقريبا في نفس النوع من الثقافة والقيم، وأي حادث داخل أفغانستان له تأثير مباشر وغير مباشر على باكستان، منذ غزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان في عام 1979، تلاه ظهور طالبان في التسعينيات، واجهت باكستان كونها دولة مجاورة لأفغانستان أنواعا مختلفة من التداعيات، أبرزها الحرب على الإرهاب، حيث كانت باكستان مقاتلة في الخطوط الأمامية إلى جانب المجتمع الدولي في هذه الحلقة.

ويقول فرحان لـ«الوطن»: «لدى شعب باكستان آراء متباينة حول هذه الحرب، يعتقد البعض أنها لم تكن حربنا، بل كانت مجرد أجندة خارجية، لذلك اتخذت باكستان خيارا خاطئا لتكون جزءا من هذا الصراع، بينما جادلت مجموعات باكستانية أخرى بأننا اتخذنا القرار الصحيح لكبح التشدد في المنطقة، وواجهت باكستان موجة إرهابية طويلة في البلاد، قُتل أكثر من 77 ألف شخص بما في ذلك أفراد الأمن وإنفاذ القانون بوحشية على أيدي الإرهابيين، الذين ينتمون إلى مدرسة فكرية تعتقد أن قرار باكستان بالانضمام إلى الحرب على الإرهاب كان قرارا خاطئا وأن شعب باكستان القوات المسلحة كذلك، فهم، من وجهة نظر الإرهابيين، متحالفون مع جيش غير مسلمين لذا فإن ما زعموا أن الجهاد شرعي ضد باكستان ومواطنيها ورجال الأمن وأي شخص مرتبط بهذه الأفكار، فلك أن تتخيل كيف أظهرت أحداث 11 سبتمبر الوجه البشع والدموي لتلك التنظيمات الإرهابية التي كانت تتدعي التدين».

قبل الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001 كانت طالبان تمارس سلطتها في معظم أنحاء أفغانستان وليس كلها، على عكس الآن، حيث يبدو أنهم وسعوا سيطرتهم إلى أي مكان آخر غير وادي بنجشير، في تسعينيات القرن الماضي، حيث كانوا يسيطرون فقط من قندهار إلى كابول، وقاوم كل من هرات والشمال بعض الشيء، سوف تسقط هرات في النهاية، لكن الشمال بقيادة وادي بنجشير مرة أخرى، وأحمد شاه مسعود وما سيصبح لاحقا يعرف باسم الجبهة المتحدة أو التحالف الشمالي، سيكون لديهم أراضيهم الذاتية الحكم التي لن تغزوها طالبان أبدا، لذلك ستنقسم أفغانستان نوعا ما بين تحالف الشمال في الشمال وطالبان، الذين سعوا لتأسيس ما زعموا أنها - الإمارة الإسلامية - لكن لن تعترف سوى دول قليلة بحركة طالبان كحكومة شرعية لأفغانستان لكنها سقطت في عام 2001.

جافاد خطيبي: شعرنا بالتعاطف مع الشعب الأمريكي وعائلات الضحايا

«لا شك أن حادثة 11 سبتمبر وانهيار برجي مركز التجارة العالمي في الولايات المتحدة الأمريكية من أكبر الأحداث وأكثرها إيلاما في العالم، حادثة قتل فيها آلاف الأشخاص، لكن قبل أيام قليلة من هذه الحادثة ، أحمد شاه مسعود، قُتل في هجوم انتحاري في بنجشير وكان أحد قادة الحرب ضد طالبان، أدى مقتل أحمد شاه مسعود من جهة وغياب الإعلام الحر في أفغانستان من جهة أخرى إلى تغطية محدودة لتطورات 11 سبتمبر في أفغانستان ومع ذلك، تابع الناس هذا الحدث العالمي العظيم بدهشة وشعروا بالتعاطف مع الشعب الأمريكي وعائلات الضحايا»، بحسب حديث الأفغاني جافاد خطيبي لـ«الوطن».

تبدأ الولايات المتحدة الأمريكية حملة عسكرية ضد تنظيم القاعدة الإرهابي وتنهار حركة طالبان في أفغانستان، «طالبان» ليس لديها دعم جوي، ولذا فقد سعوا بالفعل إلى السلمفي وقت مبكر جدا، وفي أكتوبر من العام 2001 ، عرضوا تسليم أسامة بن لادن مقابل إنهاء حملة القصف، أما إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، في ذلك الوقت ، لم تقبله وتم القيام بغزو رسمي، كما تم رفض العرض لأن طالبان أرادت تسليمه لطرف ثالث ولمحاكمته، ونظرت الولايات المتحدة الأمريكية إلى مهمة قواتها على أنها «إنهاء ملاذ آمن للإرهاب»، لذلك كان الغزو صراحة جزءً من الخطط الأمريكية.

اختفت حركة طالبان تماما وأصبحت مجموعة تمرد صغيرة تعيش في الغالب في جبال أفغانستان، يحاول بعضهم الفرار للاختباء في باكستان، وينتهي الأمر ببعضهم في جيوب في قندهار، وبعضهم في منازل آمنة، لكنهم لم يعودوا نوعا من مجموعة منظمة وموحدة، لم يعودوا في الحكومة، إنها مجرد جيوب تمرد متحالفة مع تنظيم القاعدة الإرهابي، لن يظهروا علنا حتى منتصف عام 2010، حيث أصبحوا أكثر تنظيما ويبدو أنهم تلقوا أموالاً أكثر من أي وقت مضى، هناك بعض التقديرات بأننا ننظر إلى مليارات الدولارات، وبطريقة ما في هذه المرحلة هُزموا ثم ذهبوا واختبأوا وقاموا ببناء مجموعة من القاعدة الاقتصادية من خلال الابتزاز وتهريب المخدرات، وأعيد تنظيمهم في 2010 وظهروا مرة أخرى كنوع من الحركة السياسية الموحدة.

يستكمل جافاد حديثه لـ«الوطن»: «أعتقد أنه بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 ، كان العصر الذهبي لأفغانستان لتشكيل حكومة ديمقراطية وحديثة، حيث غادرت الجماعات الإرهابية أفغانستان، ومن ناحية أخرى، كانت المساعدات الدولية ووجود قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) كثيرة هنا، ويمكن أن يحول هذا الدعم أفغانستان إلى مفترق طرق اقتصادي في الشرق الأوسط وأن يكون لديها نظام حديث وديمقراطي، لكن الفساد الإداري والتوترات العرقية والعرقية وعدم كفاءة الحكام تسبب في ضياع هذه الفرصة».

مذيع خبر 11 سبتمبر: كان الأمر غير معتاد بالنسبة لي

ومن أفغانستان لأم الدنيا، بينما كان المصريون يتابعون برامج التليفزيون عصر يوم الثلاثاء الموافق 11 سبتمبر عام 2001، انقطع البث، وظهر مذيع النشرة الأشهر في حقبة التسعينيات من القرن الماضي، خيري حسن ليذيع خبراً عاجلاً، ضمن فقرة أهم الأنباء، جاء فيه أن الولايات المتحدة شهدت هجمات استهدفت برجي مركز التجارة العالمي بنيويورك، حيث اصطدمت طائرتي ركاب بالمبنى ولم تتبنَ أي جهة مسؤوليتها عن العملية، لتستمر التغطية الإخبارية حتى نشرة أخبار الـ 24 ساعة.

«في البداية لم نصدق ما حدث حينما رأينا اللقطات الأولى لاصطدام الطائرة ببرج التجارة العالمي، كان الأمر غير معتاد بالنسبة لي، ولمراعاة القواعد والمعايير المهنية ومصداقية التليفزيون المصري، تأخرنا في إذاعة الخبر حتى التأكد من مراسلتنا في الولايات المتحدة، وقبل بث اللقطات كانت المعلومات التي توافرت لدينا أن حادث طائرة توقعنا أنه حادث نتيجة خلل فني ولم يكن نتيجة عمل إرهابي، ثم جاء خبر آخر يتعلق بطائرة أخرى، حتى وصلنا خبر احتمالية استهداف وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) بطائرة ثالثة لكنها لم تكمل طريقها، حينها تأكدنا أن الأمر فاق توقعات جميع العاملين سواء في غرفة الأخبار أو طاقم المذيعين، بحسب حديث خيري حسن لـ«الوطن».

لم يكن وقت النشرة حان، فخرجت على الشاشة بأهم الأنباء، وتابع طاقم العمل مع المراسلة في الولايات المتحدة التي وافتنا بالتفاصيل لحظة بلحظة من قلب الحدث، كما أن إدارة الأزمة بماسبيرو تدخلت لحجز القمر الصناعي حتى يكون السبق في نقل الأخبار للتليفزيون المصري، وتم تأجيل جميع البرامج والإعلانات على القناة الأولى في ذلك اليوم، وقام خيري حسن بالتغطية حوالي 4 ساعات على الشاشة ليستلم زملاؤه المذيعين في النشرة بعد ذلك، حيث وصف «حسن» أحداث هذا اليوم بقوله: «كنت مندهشا لما شاهدته في يوم 11 سبتمبر، لا سيما في اختراق الطائرة للبرج، رغم أنني قمت بتغطية أحداث دموية وصعبة في تلك الفترة مثل حربي البوسنة والخليج».

ويضيف حسن: «عند ظهور أول صورة في شبكة سي إن إن، كان الشاغل الأكبر لدى المسؤولين في ماسبيرو عما إذا كان هناك مصريون في موقع الحادث أم لا سواء وفيات أو مصابين، لكن مراعاة للمصداقية تم التواصل مع السفير المصري بواشنطن للتأكد من أي معلومة قبل بثها، إضافة لمتابعتنا مع المراسلة في نيويورك، وحينها كان البث من الولايات المتحدة باهظ التكلفة، وبعد العودة إلى الاستوديو استضفنا خبراء في تخصصات مختلفة، لا سيما المفرقعات ومسؤولين في الطيران المدني وخبراء عسكريين خدموا في القوات الجوية، وعلماء نفسيون لسؤالهم عما إذا كان ذلك العمل إرهابي أم انتحاري».

لاعب منتخب بيرو: والدي أسماني أسامة بن لادن لأن ولادتي كانت صعبة

على بعد آلاف الأميال من كابول بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر ولد طفلا أسماه والده خيمينيز لوبيز «أسامة بن لادن»، حيث أصبح خلف هذا الاسم في بيرو تلك الدولة اللاتينية، صبي يريد فقط أن يلعب كرة القدم، وحلمه بسيط هو أن يكون سعيدا، وهو مجرد اسم لا يوجد شيء آخر، أسامة الذي يبلغ حاليا 20 عاما، والذي يصفه النادي الذي ينشط في دوري الدرجة الثانية في الدولة اللاتينية بأنه «جناح مبدع»، قد أحدث ضجة منذ عدة سنوات بعد استدعائه لصفوف المنتخب الوطني للناشئين تحت 15 عاما، ولكن تلك الضجة لم تمثل شيئا مقارنة بكم النكات والإسفاف الذي انتشر حينها.

يقول أسامة بن لادن لـ«الوطن»: «يدعى أخي صدام حسين، وهذا ليس غريبا على والدي المهووس بأسماء المشاهير، حيث أراد تسمية المولود الثالث جورج بوش لكن أمي ولدت بنتا وليس ولدا»، مشيرا إلى أن والده ليس شخصا سيئا؛ على العكس فهو رجل ودود للغاية وبسيط، حيث إنه مثل جميع الآباء، موضحا أن تسمية الأبناء على بأسماء المشاهير منتشرة في بيرو؛ فعلى سبيل المثال يوجد لديهم في البلدة شخص يدعى هتلر ألبا سانشيز، الذي كان مرشحا في الانتخابات البلدية منذ سنتين، وآخر يلعب في الدوري البيروفي يدعى لينين.

وعن تفاصيل تسميته باسم الزعيم السابق لتنظيم «القاعدة» الإرهابي، يقول: «أنا من مواليد 7 أكتوبر 2002، والولادة كانت صعبة للغاية على والدتي، وتعبت للغاية وفي هذا التوقيت كان اسم أسامة بن لادن الاسم الأكثر رواجا في جميع وسائل الإعلام على مستوى العالم، لا سيما بعد تفجير برج التجارة العالمي في الولايات المتحدة الأمريكية، ما جعل والدي يطلق هذا الاسم الذي أصبح سببا في تسليط الضوء على كل شيء أفعله»، موضحا أنه حينما كان طفلا صغيرا في المدرسة لم يكن يعلم من هو أسامة بن لادن، لكن بعدما أخبره المعلمون عن حقيقة ذلك الرجل، وما الذي خطط له ونفذه أعضاء من التنظيم الإرهابي الذي كان يقوده في تلك الفترة وخلف الكثير من الضحايا الأبرياء، لم يعد يشعر بالسعادة.

وعن الطريقة التي واجه بها «أسامة» معرفته بحقيقة ذلك الرجل الذي يحمل اسمه، يقول: «لقد ركضت ولعبت، وبالتالي لم أهتم، لأنه في مدرستي كان هناك أشخاص متواضعون من الريف لا يكترثون لمثل هذه الأمور بالعكس نحن بسطاء للغاية»، معترفا أنه فكر في مرحلة متأخرة في تغيير اسمه، لكنه نسي هذه الفكرة بالفعل.

قبل أن يكمل الطفل البيروفي عامه الحادي عشر بخمسة أشهر، أبلغ الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بأن «العدو جيرونيمو قتل في العملية العسكرية» في إشارة إلى أسامة بن لادن، ولم يعلق المسؤولون الأمريكيون على ما تردد بأن عملية مهاجمة المجمع السكني الذي كان يختبئ فيه بن لادن قرب إسلام آباد سميت «جيرونيمو»، الاسم الحركي الذي أطلقته قوات المارينز الأمريكية على عملية قتل «زعيم تنظيم القاعدة» التي نفذها جنود من وحدة النخبة في البحرية الأمريكية «نافي سيلز».

كريستوفر كومبس: «جيرونيمو» الاسم الحركي لأسامة بن لادن صاحبه أحد زعماء قبيلة الأباتشي

«يعد جيرونيمو أحد زعماء قبيلة الأباتشي أحد أشهر قبائل الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين الذين قاتلوا الأمريكيين البيض في القرن التاسع عشر الميلادي، وولد عام 1829 وهو من زعماء الأباتشي، حيث بدأ المحارب الهندي في اكتساب سمعته من خلال هجمات جريئة على القوات المكسيكية التي أغارت على قريته وقتلت بعض أفراد عائلته فكان رده أن قتل أكبر عدد من الجنود المكسيكيين في هجماته المتكررة، واتخذ منطقة جبال سييرا مادر التي اتخذها نقطة انطلاق لشن الغارات التي تستهدف أي شخص يقوده حظه السيء للاقتراب من هذه المنطقة، واستمر في الهروب حتى وقع في أيدي القوات الأمريكية عام 1886»، بحسب كريستوفر كومبس، المدير التنفيذي لمتحف الشعوب الأصلية بالولايات المتحدة، لـ«الوطن».

وفي مايو 2011، لقي أسامة بن لادن حتفه، بمدينة أبوت آباد الواقعة على بعد 120 كم عن إسلام أباد في عملية اقتحام أشرفت عليها وكالة الاستخبارات الأمريكية ونفذها الجيش الأمريكي واستغرقت 40 دقيقة، وحدثت الواقعة إثر مداهمة قوات النخبة الأمريكية خاصة تدعى السيلز لمجمع سكني كان يقيم به مع زوجاته وأبنائه، ودارت اشتباكات بين بن لادن ومعاونيه وبين القوات الأمريكية المصحوبة بعناصر من الاستخبارات الباكستانية.

روبرت أونيل: كان أسامة بن لادن يبعد قدم ونصف عني وأطلقت عليه النار مرتين متتاليتين

منذ العام 2017، بدأنا محاولات التواصل المتكررة مع عنصر وحدة النخبة الأمريكية الذي استطاع قتل أسامة بن لادن، خمس سنوات من محاولات التواصل التي باءت جميعها بالفشل، لكن كان آخر النفق المظلم شعاع نور خافت، تمثل في رسالة عبر البريد الإلكتروني مفادها «مرحبا، أشكرك جزيلا على هذه الرسالة، لن استطيع الرد على جميع هذه الأسئلة بشكل خاص ولكن يمكنك الاطلاع على هذه التسجيلات سوف تجد ضالتك فيها».

«أتذكر حديثي مع أصدقائي في الوحدة، لم يكن هناك أي تردد، نحن ذاهبون الآن ، سنفعل هذا من أجل الشخص الذي استحضره دائما في ذهني إنها الأم الوحيدة التي ذهبت إلى العمل صباح الثلاثاء ثم قررت أنه من الأفضل القفز حتى الموت بدلا من حرقها حية، ذهبنا لها، ذهبنا إلى رجال الإطفاء الذين كانوا يركضون بينما كان الجميع يركضون ذهبنا للجميع، لقد قبلنا باحتمالية الوفاة وعدم العودة مرة أخرى، لم نكن خائفين، كنا نقاتل منذ الحادي عشر من سبتمبر تقريبا لدرجة أننا نصل إلى نقطة الاستعداد لنكون جيدين بما يكفي لإنجاز هذه المهمة، سنكون قادرين على القيام بذلك، كان بن لادن أمامي مباشرة ويبعد قدم ونصف عني وأطلقت عليه النار مرتين متتاليتين ثم مرة أخرى»، بحسب التسجيلات التي أرسلها روبرت أونيل، قاتل أسامة بن لادن لـ«الوطن».

مارتن تشولوف: والدة بن لادن كانت تلوم من حوله 

بعد 7 سنوات من مقتل بن لادن، صار مارتن تشولوف، مراسل جريدة «الجارديان» البريطانية، الصحفي الوحيد في العالم الذي نجح في إجراء الحوار الأول والأخير مع علياء غانم، والدة أسامة بن لادن ، والذي كشف لـ«الوطن» عن كواليس حواره مع السيدة التي كان ابنها المطلوب الأول في العالم لمدة عقود، حيث وصفته أنه لا يزال بالنسبة لها الابن الحبيب الذي ضل طريقه بطريقة ما، حيث أفصحت له خلال حديثها أن حياتها كانت صعبة للغاية لأنه كان بعيدا جدا عنها، وكان طفلا جيدا جدا وكان يحبها كثيرا، مشيرا إلى أنها طيلة الحديث معه كانت تلوم من كانوا حوله وكانت تبرأه، وعلى ما يبدو أنها كانت تتحدث بمشاعر الأمومة ليس أكثر.

أولئك الذين تابعوا هجمات الحادي عشر من سبتمبر في التلفاز، كان لهم لقاء آخر مع تبعات تلك الأحداث بعد 10 أعوام، ففرخند يوسافزي، رأى أن مقتل أسامة بن لادن على التراب الباكستاني كان محرجا جدا لباكستان، مشيرا إلى أن ذلك أثبت أنها معيار مزدوج في الحرب على الإرهاب وجعلتها شريكا غير موثوق به للولايات المتحدة الأمريكية والغرب، أما فرحان نيازي رأى أنه بما أن المناطق القبلية السابقة في باكستان مرتبطة بأفغانستان ، فقد كان من السهل على الإرهابيين عبور الحدود بسهولة والعودة إلى أفغانستان بعد تنفيذ أنشطة إرهابية في باكستان، وفيما يتعلق بعملية مقتل أسامة بن لادن ، والتي تُعرف أيضا باسم «عملية أبوت آباد»، استحدثت مرة أخرى وجهة نظر حالة من الجدل بين شعب باكستان بين مؤيد ومعارض، بينما الأفغاني جافاد خطيبي الذي تابع أنباء مقتل أسامة بن لادن من وسائل الإعلام ، وخاصة وسائل الإعلام الدولية، لم يتذكر فقط سوى لحظة الكشف عن المنزل الذي كان يختبئ بداخله زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي، وحيث إنهاء حياة الإرهابي الأول في القرن الحادي والعشرين وبعده بـ11 سنة قُتل رجله الثاني أيمن الظواهري، إلا أن الإرهاب لم ينته في هذا العالم بعد 21 عاما من هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

 

المصدر