جمال بلماضي.. الرجل الحديدي الذي أعاد الجزائر لسكة الانتصارات

اثنين, 10/01/2022 - 12:43

يتساءل المتتبعون لشأن كرة القدم الأفريقية متى تتعرض الماكينة الجزائرية لعجز أو عطب؟ ونفد صبر منافسيها وهم يترقبون هذه اللحظة بشغف، آملين بتوقف زحف "ثعالب الصحراء" المستمر منذ تعيين جمال بلماضي مدربا للمنتخب في مطلع أغسطس/آب 2018.

وقد أثار بلماضي، مواليد 27 مارس/آذار 1976 بضاحية شامبيني سور مارن قرب باريس، شيئا من السخرية عندما أعلن غداة تعيينه أن الهدف الذي سطره مع رئيس الاتحاد المحلي آنذاك (خير الدين زطشي) هو الفوز بكأس الأمم الأفريقية المقبلة. لكن الضبابة تبددت في وقت سريع وأصبح الجميع ينظر إلى تصريحات الناخب الجديد بجدية وتأمل، لاسيما وسط الجمهور الجزائري المتعطش للانتصارات والذي افتقد طعم الفرحة منذ عام 1990 وتتويج رابح ماجر وزملائه بأول لقب قاري في تاريخ المنتخب.

وصفق المناصر والمنافس على حد سواء في 19 يوليو/تموز 2019 بعد أن فاز رياض محرز ورفاقه بـ "كان 2019" في القاهرة، مؤكدين وفاء مدربهم بعهده. وأصبحت الجزائر بقيادة بلماضي وفي ظرف ثلاث سنوات رمزا للنجاح في أفريقيا ومرجعية في مجال التضحية واللعب الجماعي.

فقد تغير موقع "الخضر" جذريا في أعين المنتخبات الأفريقية، وهو ما يشكل عقبة إضافية أمام مهمة الدفاع عن لقبهم إذ بات الجميع يأمل بإسقاطهم. وسيدخلون غمار كأس الأمم 2022، التي تستضيفها الكاميرون من 9 كانون الثاني/يناير لغاية 6 فبراير/شباط، بمباراة تبدو في متناولهم أمام سيرا ليون في 11 كانون الثاني/يناير ضمن منافسات المجموعة الخامسة.

كانت الأجواء داخل المنتخب الجزائري لدى وصول بلماضي، اللاعب الذي نشأ في نادي باريس سان جرمان ولعب في أولمبيك مرسيليا ومانشستر سيتي قبل الدخول في عالم التدريب في قطر، رهينة الخيارات العشوائية وانعدام الاستقرار. وبعد مشاركته الموفقة في مونديال 2014 بالبرازيل حيث بلغ ثمن النهائي للمرة الأولى في تاريخه، دشن الفريق مرحلة من أربع سنوات تناوب خلالها خمسة مدربين على رأس الجهاز الفني آخرهم مجد الكرة المحلية رابح ماجر.

وفي كأس الأمم 2017 في الغابون، خرج الجزائريون من الدور الأول في مجموعة ضمت تونس والسنغال وزيمبابوي كما أنهم فشلوا في التأهل لكأس العالم 2018 بروسيا. ثم بدأت حقبة بالماضي،

ليقلب الطاولة رأسا على عقب، ويتحول الكابوس إلى حلم، واللامبالاة إلى انضباط، والاستهزاء إلى جدية.

"لقد تحولت ذهنية اللاعب الجزائري بعد تعيين بلماضي" كمدرب، كما قال مهدي دحاك مدير موقع "دي. زاد. فوت" المتخصص في كرة القدم الجزائرية. وأضاف في اتصال مع فرانس24: "كانت الأجواء قبل وصوله لا تبعث للأمل، وبالتالي قرر استبعاد بعض اللاعبين واستبدالهم بعناصر أخرى بعضها كانت مهمشة تماما. فعلى سبيل المثال، أصبح جمال بن العمري ركيزة الدفاع، وبات يوسف بلايلي الذي شابت مسيرته عراقيل خارجة عن نطاق الرياضة سلاحا هجوميا فتاكا، وصار رياض محرز في قلب اللعب".

وذهنية جمال بلماضي كمدرب لا تختلف عن عقليته لاعبا. ويُذكرنا مهدي دحاك بأن اللاعب (الفرنسي الجزائري) اختار اللعب لمنتخب بلاده الأصلي في وقت كان الخيار المعاكس أسهل إذ أن العلاقة بين اللاعبين ومنتخباتهم كانت رديئة، وكذلك الأمر بالنسبة للعلاقات بين الاتحاد الأفريقي لكرة القدم والأندية الأوروبية". وكان بلماضي ضمن اللاعبين الذين "ضحوا" بأنفسهم لأجل المنتخب، ما يفسر اليوم تركيزه الشديد على الانضباط داخل الفريق وعلى وضع الألوان الوطنية فوق كل اعتبار.

وعلى ضوء هذه المعطيات، يمكن فهم غضب المدرب الجزائري وتحميله على لاعبه السابق أندي ديلور عندما صرح أنه يفضل البقاء في ناديه الجديد (نيس الفرنسي) خلال الموسم 2021/2022 بدلا من تلبية دعوة الناخب لخوض تصفيات كأس العالم 2022 ومنافسات كأس الأمم الأفريقية المقبلة.

قائمة المنتخب الجزائري لكأس الأمم الأفريقية 2022

وكان بلماضي لاعبا مهاجما سريع الحركة وكثير النشاط، تألق في عدة دوريات أوروبية وفي قطر بنهاية مسيرته. وكان يتمتع بتقنية رفيعة وبشخصية قوية دفعته في بعض الأحيان إلى سلوك غير رياضي. ففي مارس/آذار 2001 وإثر خسارة قاسية أمام الغريمة مصر (5-2) نزع قميصه ورماه لأحد أعضاء الطاقم الفني احتجاجا على استبداله، وفي الأسبوع الموالي رمى بحذائه إلى مدرجات ملعب "فيلودروم" بمارسيليا ردا على هتافات الجمهور ضده.

لكن المدرب بلماضي أصبح هادئا مقارنة بالسابق. وهو معروف بقربه من الاعبين لكنه في الوقت ذاته يتعامل معه بحزم ومهنية صارمة. وبعد اعتزاله اللعب، احترف التدريب بداية من نادي الدحيل (لخوية سابقا) حتى توليه منصب المدير الفني لمنتخب قطر في 2014. وحصل على لقب الدوري القطري أربع مرات وقاد العنابي للفوز بكأس الخليج.

وبعد الخروج المخيب من السباق لمونديال روسيا 2018 وعقب تجربة فاشلة من بضعة أشهر لرابح ماجر، عين الاتحاد الجزائري للعبة جمال بلماضي مدربا في أغسطس/آب 2018. صنع لاعب مرسيليا السابق نجاحا كبيرا بفوزه بكأس الأمم 2019، متوفقا في النهائي على السنغال بقيادة وصديقه أليو سيسيه ابن حيه شانبيني سور مارن قرب باريس.

ويستهل "ثعالب الصحراء" مشوارهم في الكاميرون في ثوب المرشح بامتياز، لكن مدربه يفكر من الآن إلى قطر2022 حيث سيخوض فريقه مباراة الفصل في مارس/آذار المقبل بانتظار ما ستسفر عنه عملية القرعة والتي ستضعه حتما أمام منافس قوي.

ومونديال قطر، كما يؤكد مهدي دحاك، هو الهدف الأسمى بالنسبة إلى جمال بلماضي. ففي الإمارة الخليجية بدأت مسيرته كمدرب وفي الإمارة يقيم أيضا برفقة عائلته. وبالمنافسة العالمية يحلم الجمهور الجزائري، وإليه ستتجه الأنظار بعد الكاميرون مهما كان مشوار "الخضر" في البطولة القارية.

ولا شك أن بلماضي، الذي يحظى في بلاده بشعبية تفوق شعبية كل القادة السياسيين، يدرك مدى حب الجمهور لمدربه وثقته به. لذا، فهو يشدد على أن المهمة في الكاميرون ستكون الحفاظ على اللقب لا غير.

 

افرانس24