متحف القصر.. تاريخ الصين المنظور بين جدران المدينة المحترمة

خميس, 02/05/2024 - 08:58

في وسط العاصمة الصينية بكين على الشارع المؤدي الى ساحة تياننمين الشهيرة تطالعك من بعيد أسوار عالية حصينة يبلغ ارتفاعها 10 أمتار، برؤيتها يخيل اليك لوهلة أنك بمدينة غير التي انت فيها ، يخرج بك المشهد من حداثة المعمار ببناياته الشاهقة الى التاريخ و العصور السالفة ، أسوار تذكر الصينيين بماضيهم الامبراطوري وحضارتهم الضاربة بجذورها في عمق التاريخ ، بداخل هذه الأسوار قصور عديدة  تفصل بينها مساحات فسيحة رصفت بالحجارة و الآجور  ونهر صناعي يجري متعرجا  عرضه 52 مترا، بهذه الضخامة تحتل "المدينة المحرمة" أو القصر الإمبراطوري 720 ألف متر مربع وسط العاصمة الصينية بكين، 
المدينة المحرمة أو قصر الأباطرة الصينيين ، معلم تاريخي يقع  شمال ميدان تشياننمن الشهير ، مدينة تضم قصورا وأجنحة كثيرة طليت باللون الأحمر الأرجواني وزينت بزخارف ورسومات عديدة تحكي أساطير شغلت مخيلة الصينيين لقرون عديدة آمنوا بها وصدقوها واتخذ منها الأباطرة وسيلة للسلطة واستقرار حكمهم الذي دام ألفي عام محافظين على  استمرار حضارة تعد الوحيدة من بين الحضارات القديمة التي لم تندثر ، ظلت هذه المدينة الملكية لقرون متطاولة محل الحل والعقد في شبه القارة الصينية ،  وبرج عاجي للإمبراطور تقاصرت دونه همم العامة من الشعب ، فجموع هذا الشعب ينظرون إلى هذه القصور المتوارية خلف اسوار عالية بوصفها الجنة المحرمة عليهم، فوفق الاسطورة الصينية القديمة ،فالمدينة المحرمة تعد سكن الإمبراطور على الأرض و التي تقابل بلونها الأحمر الارجواني نجم الشمال سكن الامبراطور في  السماء، سكن منعت منه العامة غير قلة من خاصة الامبراطور و حاشيته .
وظل ما بداخلها مجهولا لسنوات طويلة، مما جعل الحقيقة تختلط بالخرافة حول ما يجرى بداخلها.
 يبلغ طول هذه المدينة  من الشمال إلى الجنوب 960 مترا، وعرضها من الشرق إلى الغرب 750 مترا، وشارك بالبناء أكثر من مليون عامل و100 ألف حرفي، و استغرق بنائها 14 عاما بين عامين 1406 و 1420 ، وكانت مقرا لأباطرة الصين من أسرتي "مينج" (1368- 1644)، وأسرة تشينج (1616- 1911)، حتى موعد اسقاط الامبراطورية بداية القرن الماضي، لتتحول هذه المدينة بعد قرابة 600 سنة من تصدر مشهد الحكم في هذه البلاد الشاسعة ، إلى متحف يضم أكبر مجموعة من القصور القديمة المحفوظة في الصين، و حوالي مليون قطعة من التحف الفنية النادرة يزوره يوميا مئات الأشخاص، أغلبهم من الصينيين وكأنهم بذلك ينزعون لا اراديا إلى تعويض قرون من الحرمان من دخول هذه المدينة التي كانت تسير شؤونهم وتتحكم في مسارات حياتهم .

حولت المدينة المحرمة  الى  متحف القصر في عام 1925. بذلك عد من أكبر المتاحف في العالم وأوسعها ،  وفي عام 1961، تم إدراج هذا المتحف، من قبل مجلس الدولة الصيني ضمن المحميات الوطنية الرئيسية ،  وفي عام 1987، أدرجته منظمة اليونسكو ضمن "قائمة التراث العالمي".
يدخل السياح و الزوار الى هذه المدينة من بوابة كبيرة مشرعة على مصراعيها تتوسط بين بوابتين تساويها في الحجم مؤصدتين دوما ، وفق مسار ينبو قليلا عن مستوى الأرض على درب الأباطرة ، تأخذهم هذه الطريق إلى ساحة فسيحة تصطف على يمين ويسار الداخل إليها غرف كثيرة ،وفي مقابل الساحة منصة كبيرة من الرخام الأبيض تتوسطها تماثيل لأسود عملاقة ، تطل عليها قاعة كبيرة كانت تتخذ لإقامة الحفلات و الاجتماعات الملكية ، وخلف هذه القاعة يقع معبد كبير عند ظهره فناء فسيح تطل عليه   قصور ملكية متعدد كانت مخصصة لسكن الامبراطور و حاشيته وفي خلفها تقع مقصورات لزوجاته ، المتأمل في فسقوف القصور و المباني يجد حضور طاغيا للتنين في الزخارف والنقوش بأشكال و أنواع متعددة حضور يعود الى رسوخ هذا المخلوق الأسطوري في الثقافة الصينية عموما .
 المدينة المحرمة بقصورها وتماثيلها و معابدها المتعددة  و المتنوعة تحكي تاريخ شعب آمن كثيرا بالمتناقضات الأسطورية كل امبراطور يضع لمسات معمارية وزخرفية من واقع إيمانه وأفكاره التعبدية التي يتبعها.

 

________

محمد العتيق